الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط: شهادة حية من قلب التاريخ
29.10.2025 13:29
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
وطني
الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط: شهادة حية من قلب التاريخ
حجم الخط
وطني

أبرز ما جاء في كلمة نيافة الأنبا هرمينا الأسقف العام لقطاع كنائس شرقي الإسكندرية في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي تحت عنوان “الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط”.

نحن في زمن يحتاج فيه العالم إلى أن يرى فينا شهادة الإيمان الحي، إيمان الشرق الذي أشرق منه نور الإنجيل إلى العالم كله.
الشرق الأوسط لم يكن مجرد مسرحللأحداث الأولى للمسيحية، بل كان الرحم الذي ولد فيه الإيمان، والنور الذي أضاء المسكونة.
منذ زمن الرب يسوع المسيح، وعبر القرون الوسطى، المسيحيون متأصلون في تربة الشرق الأوسط، إنهم ليسوا «أقلية» بالمعنى السلبي، بل هم جزء من تلك الأرض، من ثقافتها وتاريخها، من نسيجها الاجتماعي – الثقافي.

إن الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط ليس مجرد تراث، بل حياة متجددة بالروحالقدس. هو رسالة أمانة – أمانة جذور، وأمانة حاضر، وأمانة مستقبل.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بجذورها العميقة في التاريخ، وبحضورها الحي في الحاضر، وبأملها في المستقبل، تواصل دورها في حفظ هذا الإيمان وتقديمه للعالم شهادة حية للمسيح القائم من بين الأموات.
نصلي أن يظل الشرق الأوسط أرضًا للنور والقداسة، وأن يقودنا الرب جميعًا إلى وحدة الإيمان في محبته غير المحدودة لمجد اسمه القدوس.
نصلى من أجل بلادنا الحبيبة مصر، من أجل أمنها وسلامها واستقرارها، ونصلي لأجل أمن وسلام كل بلادنا في الشرق الأوسط، ونصلي لأجل سلام العالم أجمع.

 
 

دعونا نجدد التزامنا بأن يكون الشرق الأوسط مكانا لا يُعَدّ فيه المسيحيون أقليات منعزلة، بل شركاء فاعلين في بناء السلام والمجتمع. دعونا نعمل من أجل:
ضمان حرية الإيمان والمواطنة المتساوية لكل المواطنين، كما يرسخها الآن في مصر فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.
تشجيع الشباب والنساء ليكونوا فاعلين في الكنيسة والمجتمع.
تجديد لغتنا الإيمانية أمام جيل يعيش في عالم رقمي متغير.
البقاء في هذه الأرض، لا كضيوف، بل كمواطنين شهود لإيمان حي، يعبر عن الرجاء.

كوننا كنائس في الشرق الأوسط، فإن دعوتنا ليست منفردة؛ بل مشتركة، مع بعضنا البعض ومع إخوتنا وأخواتنا من غير المسيحيين، ومع كل من يسعى للخير والسلام
المطلوب منا
أن نبني جسور الحوار وليس حوائط الانعزال.
أن تعبر عن حضورنا في المجتمع كمساهمين في الخير العام، وليس كمجتمع منفصل.
أن نتعاون مع الكنائس الأخرى في هذا الشرق، ومع مجلس الكنائس العالمي، من أجل رسالة إقليمية وعالمية.

الكنائس هنا تمتلك تقاليد روحية تعليم خدمة مستشفيات ومدارس وهي تساهم في المجتمع الأوسع ليس فقط للمسيحيين بل للجميع.
هذا الواقع يدعونا إلى أن نعيد النظر في مفهوم “الشهادة” و”الرسالة” المسيحية ليست فقط إلى الداخل المسيحي بل إلى المجتمع الأوسع، إلى جميع الناس، بغض النظر عن الدين أو الانتماء. فيطلب من المؤمنين أن يكونوا «نورا في الظلمة» و«ملحا للأرض».
الكنيسة الشرقية، ومنها الكنيسة القبطية، تؤمن أن رسالتها لم تنته، بل تزداد إلحاحا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تشهد للمسيح بجرأة ووداعة، أن تحفظ الإيمان وتسلمه، وأن تبقى منارة للسلام في أرض عطشى للمصالحة.

شارك الكنيسة القبطية بفاعلية في الحوار المسكوني، وتسعى لبناء الجسور بين الكنائس الشقيقة. وقد كانت عضويتها في مجلس الكنائس العالمي منذ بداياته علامة على انفتاحها الروحي وحرصها على الشهادة المشتركة للمسيح أمام العالم.
لا يمكن أن نتحدث عن الإيمان المسيحي في الشرق الأوسط دون أن نعترف بوجود صعوبات حقيقية. فهناك تراجع واضحفي أعداد المسيحيين بسبب الهجرة والنزوح والتهجير، في مواجهة الضغوط الاقتصادية، والتغيّرات السياسية، والحروب.

حافظت الكنيسة القبطية على الإيمان المستقيم من خلال الآباء الكبار مثل القديس أثناسيوس الرسولي، والقديس كيرلس الكبير، والقديس ديديموس الضرير، والقديس أنطونيوس الكبير، أبي الرهبان، وغيرهم كثيرين.
من مصر خرجت الرهبنة إلى العالم كقوة روحية عظيمة أثرت في كل الكنائس شرقا وغربا، وكانت مدرسة للإيمان العميق والصلاة الدائمة والتكريس الكامل لله.
في كل عصر، قاومت الكنيسة القبطية محاولات الانصهار أو الاضمحلال، من خلال تمسكها بالهوية المسيحية الأصيلة وبالعمل التربوي والكنسي والخدمي والشهادة بالمحبة.

عرفت الكنيسة القبطية طريق الشهادة منذ بداياتها، حينما استشهد القديس مرقس الرسول في شوارع الإسكندرية ومن بعده ذاق الأقباط أصناف من الاضطهادات والعذابات، حتى لقبت مصر بـ “أرض الشهداء”.
كان وقع الأهوال الاضطهادات) على نفوس الأقباط في مصر رهيبا، حتى أنهم قرروا اتخاذ تقويم قبطي خاص بهم يُعرف بـ تقويم الشهداء”، لا يقل أهمية وقيمة لديهم عن التقويم الميلادي نفسه.
الشهادة لم تكن حدثًا ماضيا، بل صارت أسلوب حياة، تعبر عن الإيمان بالرجاء في القيامة، كقول القديس بولس الرسول: فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنْ آلامَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَا تقاس بالمجد العتيد أنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا
(رو۸: ۱۸).

أظهر شهداء العصر الحديث، وهم كثر – كما في شهادة الشهداء الأقباط في ليبيا عام ٢٠١٥ – أن الإيمان القبطي هو إيمان حي، لا يتزعزع أمام الموت، بل ينطق باسم المسيح حتى اللحظة الأخيرة.
نحن نؤمن أن كل شهيد، قد مات من أجل هدف متضمن في إرادة الله السامية. فقد كان الله هناك حين أخذت كل روح بشرية، لا لكي يقرر موتها، ولكن ليسمح للأشرار أن يستخدموا إرادتهم الحرة في تتميم أعمالهم الشريرة، تحت سيطرة الشيطان المؤقتة.
نعم، كان إلهنا هناك في نعمة تفوق الشر، حيث ينبثق الجمال من الرماد وتتغلب النصرة على الموت، وتنمو الكنيسة وتزدهر متخطية كل ضعف وإحباط.

إن مسيحيي الشرق يعيشون اليوم في وسط واقع معقد نزاعات مسلحة، وأزمات اقتصادية، وتحوّلات ثقافية سريعة. هجرة كثيفة أفقدت بعض البلاد جزءا كبيرًا من حضورها المسيحي التاريخي. تحديات في العيش المشترك والحوار بين الأديان. ومع ذلك، فإن الإيمان لم ينطفئ، بل يظهر أكثر نقاء حين يُختبر في النار.
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، من أقدم كنائس أفريقيا والشرق الأوسط، تضم في عضويتها أكبر تجمع مسيحي وسط بلدان الشرق الأوسط.
منذ فجر تاريخها، حفظت الكنيسة القبطية وديعة الإيمان الرسولي، ونقلت تقليد الكنيسة الأولى بصفاء ودقة، بالرغم من قرون طويلة من الألم والاضطهاد.

كما قدّم السيد المسيح دمه من أجل كنيسته – عروسه – هكذا تقدم الكنيسة دمها حبا في عريسها. ولم يخل عصر من شهداء للمسيح في كل كنيسة في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط، ليس شهود بحياتهم فقط، بل بدمائهم أيضًا.
عندما أرسل السيد المسيح تلاميذه ليكرزوا للعالم ببشارة الملكوت، عرفهم بأنهم لن يجدوا ترحيبا من العالم، بل ضيقا واضطهادًا وتعذيبا وقتلاً، وقال: “إِنْ كَانُوا قَد اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ” (يو ١٥: ٢٠).
الاستشهاد في المسيحية، قبل كل شيء، اتصال عمل فداء المسيح، ليس حبا في الألم، ولا يأسا من الحياة، بل تقديسا لمعنى الألم وسموا بالحياة. تألم المسيح فأعطى للألم معنى إلهياء ومات المسيح وقام ليعلن انتصاره، وكل من آمن به على الموت.

تاريخنا يدعونا إلى عدم النظر إلى أنفسنا كمجتمع «مهاجر» في هذا الشرق، بل كمواطنين أصيلين، ساهموا في بناء أوطانهم وبناء مستقبل مشترك مع الجميع.
الإيمان المسيحي في بلدان الشرق الأوسط هو إيمان عابر للأزمنة، صاغته المعاناة، وثبته الرجاء. فعلى مر القرون تعاقبت على منطقتنا موجات من الاضطهاد والتهجير والتحديات الاجتماعية والسياسية، وفي كل هذا بقيت الكنيسة الشرقية – بكل طوائفها – أمينة لشهادتها، متمسكة بإنجيل المحبة والغفران.
العالم يحتاج إلى نماذج حية وأمثلة مضيئة ليرى من خلالها ضياء الأبدية وأيقونة يتجلى فيها الإيمان في ملئه، والحب في لامحدوديته.

إن الشرق الأوسط ليس منطقة قبلت المسيحية فحسب، بل هو المكان الذي ولد فيه المسيح – له كل المجد، والأرض التي وجد فيها ملاذا آمنا هربا من بطش هيرودس، تحديدًا على أرض مصر، وفيه بدأ الإنجيل يتحرك من الأرض التي سار عليها الرب يسوع إلى الكنائس الأولى في أنطاكية. ومن هذه الأرض المقدسة خرج الرسل، ومن لغاتها نقل الإنجيل إلى الأمم، وعلى أرضها سُفك دم الشهداء فصار بذارا لكنيسة حية على مدى الأجيال.
نحن أمام كنيسة لم تأت من الخارج فحسب، بل هي «محلية» – جذورها آرامية أو قبطية أو سريانية أو عربية أو غيرها، تعيش في واقع متعدد الثقافات والأديان

 

 

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.