
وقّع الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدى، مساء الإثنين، اتفاقًا رسميًا لدمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن إطار الدولة السورية.
ويتألف الاتفاق من ٨ بنود، تنص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية الكردية، بما يشمل المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز، وضمان الحقوق الدستورية للمجتمع الكردى، واعتباره جزءًا أصيلًا من سوريا، ووقف شامل لإطلاق النار وإعادة اللاجئين إلى مناطقهم، والتزام الدولة بحماية جميع السوريين، ومواجهة ما وصفه البيان بـ«فلول الأسد» والتهديدات لوحدة البلاد.
وينظر مراقبون إلى هذا الاتفاق كخطوة أولى نحو إعادة بناء الدولة السورية بعد سنوات من الانقسام والنزاع، فى حين يرى آخرون أنه اختبار صعب ويحتاج إلى تقييم لقدرة النظام الجديد على استيعاب قوى كانت فى يوم ما تنازعه السيطرة على شمال شرق سوريا.
فى هذا الصدد، قال أنور مشرف، مستشار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إن ما حدث يوم الإثنين خطوة تاريخية نحو إعادة بناء هيكل الدولة السورية وتوحيد مؤسساتها مع مؤسسات شمال وشرق سوريا، سواء المدنية أو العسكرية، مضيفًا: «من المهم التأكيد على أن مؤسسات الإدارة الذاتية كانت منذ تأسيسها جزءًا من الدولة السورية، ولم يصدر أى تصريح رسمى من قائد قوات سوريا الديمقراطية أو أى مسئول فى شمال وشرق سوريا يدعو لانفصال هذه المناطق عن باقى الأراضى السورية».
وأوضح «مشرف»، لـ«الدستور»: «كل ما كان هناك هو اختلاف فى وجهات النظر حول شكل الدولة وترتيب مؤسساتها، لكن اليوم، ومع هذا الاتفاق التاريخى الذى أُعلن بشكل واضح من قِبل القائد مظلوم عبدى رئيس قوات سوريا الديمقراطية، ومن قبل أحمد الشرع رئيس الجمهورية السورية- جرى التوصل إلى تفاهم شامل بين الدولة السورية والمكوّن الكردى، يضمن حقوق الأكراد فى الدستور السورى».
وأضاف: «سيبدأ الاندماج التدريجى لكل المؤسسات المدنية والعسكرية فى شمال وشرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة السورية، بحيث يجرى الانتهاء من هذه العملية بشكل كامل مع نهاية العام الجارى، بما يشمل المعابر والمؤسسات الإدارية، والأهم المؤسسة العسكرية».
وتابع: «لا يمكن وصف حجم الفرح الذى عمّ الشعب السورى من أقصى الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. فقد أقيمت فى المدن والبلدات احتفالات كبيرة حتى وقت متأخر من الليل، فرحًا بتوحيد سوريا من جديد تحت راية وعلم واحد، بعد سنوات طويلة من الانقسام والحرب».
بالتزامن مع هذه التحركات السياسية، صعّد الاحتلال الإسرائيلى من غاراته الجوية على أماكن فى سوريا، مستهدفًا مواقع عسكرية ومستودعات أسلحة تابعة للنظام السابق.
وفجر أمس، أعلنت مصادر محلية عن أن طيرانًا حربيًا إسرائيليًا قصف محيط مطار خلخلة فى ريف السويداء الشمالى، بينما أكد الجيش الإسرائيلى قصف «مقار عسكرية وأسلحة فى جنوب سوريا»، بما فى ذلك أنظمة رادار ومراقبة جوية، حسبما جاء فى وكالة الأنباء السورية.
كما أورد المرصد السورى لحقوق الإنسان أن المقاتلات الإسرائيلية نفذت عدة ضربات فى منطقة قطنا قرب دمشق.
جدير بالذكر أن هذه الضربات تأتى ضمن أكثر من ٢٣ هجومًا إسرائيليًا منذ بداية ٢٠٢٥، استهدفت مواقع سورية، ما أدى إلى تدمير ٢٢ هدفًا بين مستودعات أسلحة ومقرات قيادة وآليات، ومنذ سقوط الأسد تركز الغارات الإسرائيلية على منع إعادة بناء القدرات العسكرية لسوريا.
على صعيد آخر، ما زال يواجه «الشرع» تحديًا بالغ الخطورة مع تصاعد أعمال العنف فى الساحل السورى، خاصة بعد مجزرة طالت مئات المدنيين من الطائفة العلوية.
وفى تصريحات لوكالة «رويترز» أقر «الشرع» بأن «عمليات قتل جماعى لأفراد من الطائفة العلوية» باتت تهدد مشروع توحيد سوريا، مؤكدًا أن القانون سيطال كل المسئولين عن المجازر «حتى لو كانوا من أقرب المقربين».
وأشار إلى أن العنف اندلع نتيجة هجمات نفذتها وحدات عسكرية سابقة موالية لماهر الأسد، إضافة إلى قوات أجنبية، لم يسمها.
فى السياق ذاته، قال رامى عبدالرحمن، مدير المرصد السورى لحقوق الإنسان، إن عدد الضحايا المدنيين فى سوريا ارتفع إلى أكثر من ألف شهيد، قُتلوا فى أربعين مجزرة على الأقل ارتُكبت خلال الأيام الثلاثة الماضية، الجمعة والسبت والأحد.
وأوضح «عبدالرحمن»، لـ«الدستور»، أن «هذه المجازر تأتى ضمن مسلسل القتل المستمر الذى لا يتوقف، إذ لا تزال عمليات القتل جارية حتى اليوم، وسط إحراق واسع للمنازل التى تعود للمدنيين، ونهب عشرات آلاف المنازل فى مختلف المناطق».
وأشار إلى أن «هذه الجرائم الوحشية دفعت عشرات آلاف المدنيين للنزوح قسرًا من منازلهم باتجاه الأحراش والمزارع، هربًا من الموت والدمار»، مؤكدًا أن الوضع الإنسانى بات كارثيًا فى المناطق المنكوبة.
وذكر أن المجتمع الدولى مطالب بالتحرك الفورى لوقف هذه الجرائم التى تُرتكب بحق المدنيين العزّل، وضمان حماية من تبقى من أبناء الشعب السورى.