خصص الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مُدن الليبية الغربية، مقاله الأحدث بمجلة الكرازة الناطقة باسم كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس الكبرى بالعباسية، عن "الحكمة السمائية".
وأوضح الأنبا باخوميوس فى مقاله أهمية تلك الفضيلة وعلاماتها بحسب ما جاء فى الإنجيل بالإصحاح الثالث برسالة القديس يعقوب.
الي نص المقال:
يكتب معلمنا يعقوب الرسول للمؤمنين في الاصحاح الثالث من رسالته عن الحكمة, مميزا بين نوعين منها: الحكمة الارضية في مقابل الحكمة السماوية فيقول ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هي ارضية نفسانية شيطانية لأنه حيث الغيرة و التحزب هناك التشويش وكل أمر رديء و أما الحكمة التي من فوق فهي اولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة و أثمارا صالحة عديمة الريب و الرياء و ثمر البر يزرع في السلام من الذين يفعلون السلام يع3 : 15- 18 .
و الحكمة فضيلة هامة في حياة الانسان المسيحي اذ هي التي تظهر عمل الفضائل الاخري , فقد يحمل الانسان طاقة حب عظيمة لكل من حوله, و قد يكون خادما غيورا علي مجد الله في خدمته , و قد يكون انسانا امينا و مجتهدا في عمله و يسعي باجتهاد ان يصل الي اقصي درجات النجاح , و لكن ان كانت تنقصه الحكمة فلن يستطيع ان يصل الي هدفه و لا تنفعه فضيلته في شيء بل يمكن ان يفقد كل بركة في حياته .
لهذا طلب سليمان الملك من الرب ان يعطيه حكمة ( اعط عبدك قلبا فهيما ليحكم بين شعبك و يميز بين الخير و الشر ), و بالحكمة ايضا اجاب الرب يسوع عندما سئل هل يعطي الجزية لقيصر عندما قال اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله فهو لم يحرض الشعب علي عدم دفع الجزية , و لم يرفض ان يدفع الجزية , و هكذا فعل عندما قدموا اليه المرأة التي امسكت في ذات الفعل , فهو لم يواجه الشيوخ و معلمي الناموس مباشرة و لم يرفض تطبيق الشريعة لكنه اشار بلطف الي ان الجميع خطاة , و لم يدن المرأة ايضا , بل تعامل بالحكمة و الحب مع الجميع . و انت ايضا بالحكمة يمكنك ان تمنح ابنك الحرية و لكن لابد ان يكون لها ضوابط و حدود .
و الحكمة تمنع الانسان من أن يسلك بتحزب فالتحزب يؤدي الي الانقسام , فعند اختلاف وجهات النظر مع الاخرين اياك ان تبقي وحدك او ان تستقطب اخرين الي فكرك فهذا يؤدي الي التحزب ثم الانقسام في البيت او في الخدمة او في الكنيسة او في المجتمع . بل اجلس الي الاخرين و بمحبة تناقش لكي تصلوا الي راي واحد يقبله الجميع , و هكذا فعل الاباء الرسل في مجمع اورشليم عند ظهور مشكلة التهود فلم يتحيز بطرس الرسول لرايه و لا فعل بولس كذلك بل بروح من الود طرحوا المشكلة و توصلوا الي راي واحد و هو ان الختان ليس ملزما للامم . فليس من اللازم ان يتهود الامم اولا قبل قبول الايمان المسيحي , و قبل الجميع هذا الرأي و سارت الكنيسة في سلام, فالبيت او الكنيسة التي ترفض التحزب تعيش في سلام .
فما هي علامات الحكمة السمائية ؟
1- الحكمة السمائية طاهرة : اي انه لا يكون للانسان من وراء تصرفه شهوة خاصة , بل يكون كل هدفه هو السعي لمجد الرب و ارساء السلام في حياة كل من يتعامل معه . فالحكمة تجعلك تميز دوافعك الداخلية في تعاملك مع ابنائك مثلا فهل اوامرك لهم مدفوعة بشهوة التسلط ام يقودها احساسك بالمسؤلية تجاههم , فان كانت دوافعك بعيدة عن الشهوة فانت ستعلم اولادك كيف يختارون اصدقائهم بدلا من ان تمنعهم من ان يكون لهم أصدقاءهم , و بذلك تتصرف بحكمة سمائية في تربيتك لهم.
2- الحكمة السمائية مسالمة : فالحكمة النازلة من فوق تجعل الانسان يسعي نحو السلام فمقياس البيت الناجح و المجتمع الناجح و القائد الناجح انه يسعي دائما لصنع السلام . فالاضطراب و الخصومات تجعل كثيرين يفقدون رجاءهم و محبتهم في عمل الله, و يفقدون سلامهم.
3- الحكمة السمائية مترفقة : و الترفق ليس نوعاً من الضعف بل الانسان الحكيم يترفق بكل من يخدمهم و يتعامل معهم في اخطائهم , لان المحبة تتأني و ترفق ,و بهذه الحكمة اوصي داود قواد جيشه قائلاً : ترفقوا بالفتي ابشالوم ابنه الذي قام عليه راغبا ان ياخذ مملكته !!
4- الحكمة السمائية مذعنة : فالانسان الحكيم لا يتشدد في رايه و لا يتمسك بوجهة نظرة حتي ان كانت غير مناسبة بل في حكمة يستمع للجميع و يقبل الرأي الاكثر حكمة .
5- الحكمة السمائية مملوءة رحمة و اثمارا صالحة : فالذي يسلك بحكمة تمتليء حياته بالثمر .. ثمر البر , لان الذي يسلك بحكمة تسير كل اموره في سلام و يملأ الرب حياته بالثمار الروحية الكثيرة
لذلك صل دائما و اطلب ان يعطيك الرب حكمة , و أن تكون حكمتك سماوية طاهرة مسالمة مترفقة مذعنة , و عندما تطلب الحكمة ستمتليء حياتك بالثمار , و ستجني انت ثمار هذه الحكمة لان ثمر البر يزرع في السلام , كما يقول الكتاب.