
قال البابا تواضروس الثاني بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إن عام 2026 سيشهد احتفال العالم بذكرى مرور 17 قرنًا من الزمان على اكتشاف خشبة الصليب المقدس على يد القديسة هيلانه والدة الإمبراطور قسطنطين البار في أورشليم عام 326م، وكأن الله أراد أن يكافئ كنيسته بعد أن نجحت في مقاومة هرطقة آريوس في المجمع المسكوني الأول في مدينة نيقيه عام 325م تحت رعاية الإمبراطور قسطنطين بأن أظهر خشبة الصليب المقدس من تحت ركام مضى عليه حوالي ثلاثة قرون في المدينة المقدسة
وتابع في مقال له: نحن نحتفل في كنيستنا بالصليب يوم 10 برمهات (19 مارس) وأيام 17 و18 و19 توت (27-29 سبتمبر) من كل عام، بالإضافة إلى يوم الصليب العظيم يوم الجمعة الكبيرة جمعة الصلبوت.
وتابع: الصليب المقدس في مسيحيتنا يمثل الأساس القوي لإيماننا كما يقول القديس بولس الرسول: “وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ” (غلاطية 6: 14). فصليب المسيح هو امتياز المسيحية، وخلاص الإنسانية، وعلامة النصرة، وانكسار الشيطان، وافتخار المسيحي وزينته ورجاؤه وكل حياته. ولذا نجد الصليب حاضرًا في كل أسفار الكتاب المقدس وشروحات الآباء وأقوالهم وسيرهم وحياة الكنيسة في طقسها وعقيدتها وتراثها.
موضحًا ويمكن أن تكون علامة الصليب شكلًا تعليميًا وتوضيحيًا لأمور كثيرة في حياتنا، لأن أطراف الصليب الأربعة تقدم لنا علامة الشمول حيث الرقم “4” هو رقم العمومية كما في فصول السنة الأربعة، وفترات اليوم أربعة (باكر والظهر وعشية والليل)، والليل عند اليهود يتكون من أربعة أقسام (متى 25:14)، وعند الصليب اقتسم الجنود ثياب ربنا يسوع إلى أربعة أقسام، كما أن الأنهار التي تسقي الجنة أربعة (فيشون. جيحون. حداقل. الفرات) (تكوين 2: 10)، وهناك أربع إمبراطوريات تعاقبت السيادة على الأرض في الفترة المسماه بأزمنة الأمم (دانيال 7:2).
وأريد أن أقدم شكل الصليب في أربعة أمثلة تعليمية يرسم كل منها موضوعات هامة في حياتنا وكنيستنا:
المثل الأول: كلمة أخبار NEWS بالإنجليزية أربع حروف، جاءت من الحروف الأولى لأربع كلمات هي: الشمال North والشرق East والغرب West والجنوب South وهي تشكل اتجاهات الأرض الأربعة على شكل صليب، فصارت الكلمة “أخبار” تعني أحداث المسكونة كلها.
المثل الثاني: لقد كتبت حياة السيد المسيح وخدمته في أربعة بشائر وهي متكاملة تاريخيًا ولاهوتيًا، وعندما نقدمها في التعليم تكون على صورة صليب، حيث إنجيل مارمرقس هو الأقدم يمثّل بالطرف السفلي من أطراف الصليب الأربعة، ثم الطرفين الأيمن والأيسر يمثلان إنجيلي متى (الذي يخاطب العقل اليهودي) ولوقا (الذي يخاطب العقل البشري)، ثم الطرف الأعلى يمثل إنجيل يوحنا والذي بدأ بالميلاد الأزلي “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ… وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا” (يوحنا 1: 1، 14).
المثل الثالث: العناصر الأربعة المشتركة بين كنائس العالم كلها وهي:
أولًا: الإيمان بالمسيح الفادي والمخلص.
ثانيًا: الكتاب المقدس بأسفاره في العهد القديم والعهد الجديد وهو ما نسميه بقانون الكتاب المقدس.
ثالثًا: قانون الإيمان النيقاوي وهو خلاصة كتابية صاغتها الكنيسة عندما ظهرت هرطقة آريوس وهددت الإيمان المسيحي وذلك في مجمع نيقيه المسكوني الأول عام 325م، وتتلوه جميع الكنائس المسيحية في العالم شرقًا وغربًا.
رابعًا: هدف الحياة وهو الأبدية وملكوت السموات، وهو الذي يسعى إليه جميع المؤمنين في حياتهم من خلال العبادة الكنسية بكل ما فيها من عقائد وطقوس وتراث وتقاليد.
المثل الرابع: مسار الوحدة المسيحية التي طلبها السيد المسيح في صلاته الوداعية (يوحنا 17: 21) “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا”، إذ يعتمد هذا المسار على 4 خطوات على شكل صليب:
الخطوة الأولى: الطرف السفلي وهو يمثل إقامة علاقات المحبة -محبة المسيح- بين جميع الكنائس من خلال التقارب والزيارات والمقابلات والفعاليات المشتركة على مستوى محبة المسيح التي تحصرنا.
الخطوة الثانية: هي الطرف الأيمن ويقصد به الدراسات المتخصصة في تاريخ الكنائس وعقائدها وتقاليدها وهذه الدراسات تحتاج دارسين جادين يتخصص كل في دراسة كنيسة عبر سنوات طويلة حيث يجيد لغتها وثقافتها وحياتها المعاصرة.
الخطوة الثالثة: هي الطرف الأيسر ويقصد به الحوارات اللاهوتية الغير رسمية والرسمية حيث يدور كل حوار على أرضية المحبة (الخطوة الأولى) والمعرفة (الخطوة الثانية) وبالتالي يكون حوارًا مثمرًا وذو نتائج على أرض الواقع.
الخطوة الرابعة: وهي الطرف الأعلى من شكل الصليب وهي خطوة الصلاة من أجل عمل روح الله القدوس في القلوب والعقول والنفوس التي فداها المسيح بدمه على خشبة الصليب. وعندما تكتمل هذه الخطوات الأربعة وتتكامل معًا سوف نصل إلى قلب المسيح الواحد