‬قراءة فى ملف»الأمور المسكوت عنها‮«(‬1013‮)‬

‬
الهجوم الانتحارى الأوكرانى على المطارات الروسية
‮❊ ‬يطلق عليه البعض‮: »‬بيرل هاربور‮« ‬الأوكرانية‮!!‬
‮❊ ‬ويطلق عليه البعض‮: »‬جنت على نفسها براقش‮«!!‬

تموج منصات الأخبار ومواقع الرصد والتحليل حول العالم منذ الثانى من‮ ‬يونيو الجارى بمتابعة تداعيات العملية الانتحارية التى نسبت إلى أوكرانيا،‮ ‬حيث صرح مسئول أوكرانى أن الرئيس‮ »‬زيلينسكى‮« ‬أشرف على تنفيذ عملية استهدفت المطارات الروسية بعيدًا عن خطوط الجبهة بوابل من الطائرات المسيرة التى أطلقت عبر شاحنات اخترقت العمق الروسى حتى قاعدة‮ »‬بيلايا‮« ‬الجوية فى منطقة‮ »‬إيركوتسك‮« ‬بشرق سيبيريا على بعد نحو ‮٠٠٢٤ ‬كيلومتر من الحدود الأوكرانية،‮ ‬ونجحت فى تدمير عدد كبير من القاذفات الاستراتيجية الروسية الرابضة على أرض المطارات المستهدفة‮.‬
من جانبها اعترفت روسيا بالهجمات المذكورة وباندلاع النيران فى عدد من طائراتها العسكرية فى منطقتى‮ »‬مورمانسك‮« ‬و»إيركوتسك‮« ‬وأنه تم اعتقال مشاركين فى الهجمات،‮ ‬وجار التحقيق فى ملابسات الهجمات ودراسة سبل الرد عليها‮.‬

تتركز تحليلات المراقبين حتى وقت كتابة هذا المقال حول اعتبار دور أوكرانيا فى الهجوم الانتحارى‮ -‬والذى وصفته روسيا بالإرهابى‮- ‬بأن أوكرانيا ليست سوى‮ »‬مخلب قط‮« ‬ينفذ تخطيطًا شيطانيًا تقف وراءه أجهزة المخابرات فى الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل جرى التخطيط والإعداد له عبر نحو عام ونصف العام بهدف تعويق المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب الدائرة واستمرار الصراع بهدف إنهاك روسيا وهزيمتها بعدما استطاعت تحقيق انتصارات ملفتة فى ميدان المعركة فى أوكرانيا بجانب انتصاراتها اللافتة فى تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من أمريكا وتوابعها الأوروبيين‮.‬
وحول ما صرح به الرئيس الأمريكى‮ »‬ترامب‮« ‬عقب المحادثة التليفونية التى تمت بينه وبين الرئيس الروسى‮ »‬بوتين‮« ‬عقب الهجوم الانتحارى من أنه لم‮ ‬يعرف بأمر ذلك الهجوم الذى توعد‮ »‬بوتين‮« ‬بالرد الباتر عليه،‮ ‬أجمع المحللون بأن الهجوم‮ ‬يمثل نموذجًا مؤسفًا‮ ‬يرجع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية،‮ ‬حيث تتمتع أجهزة المخابرات فى الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول فى العالم الغربى باستقلالية فى تخطيط وتنفيذ مخططاتها دون الحاجة إلى إبلاغ‮ ‬الرئاسات السياسية أو الزعامات فى دولها بها أو أخذ موافقتها عليها،‮ ‬السبب فى‮ ‬غاية الغرابة وهو أن الرئاسات السياسية وقتية وسوف ترحل عن مواقعها ولا‮ ‬يمكن السماح لها بتعويق ما تعتبره الكيانات الأمنية والمخابراتية فى صالح الأمن القومى‮!!!… ‬وتلك كارثة بجميع المقاييس لأنها لا تقصى الرئاسات وحدها،‮ ‬إنما تتغول على الحقوق الدستورية للشعوب أيضًا‮.‬
ولكن دعونى أعود إلى الإشارات التى حملها عنوان هذا المقال لألقى الضوء على ما حملته من إسقاطات‮ ‬يلزم توضيحها‮:‬
‮> »‬بيرل هاربور‮« ‬الأوكرانية‮: ‬وفى ذلك إشارة تاريخية لتشبيه العملية الأوكرانية المباغتة على المطارات الروسية بالعملية اليابانية المباغتة التى نفذتها الطائرات اليابانية فى ‮٧ ‬ديسمبر ‮١٤٩١ -‬فى عنفوان الحرب العالمية الثانية‮- ‬بضربها قطع الأسطول البحرى الأمريكى المتمركزة فى القاعدة البحرية الأمريكية فى جزيرة‮ »‬أواهو‮« ‬فى هاواى فى المحيط الهادئ،‮ ‬مما أسفر عن خسائر فادحة للأسطول الأمريكى،‮ ‬لكنها أدت إلى إنهاء الولايات المتحدة لحيادها السياسى فى الحرب العالمية الثانية ودخولها الحرب بجانب الحلفاء ضد ألمانيا وإيطاليا واليابان،‮ ‬وهو ما وصفه رئيس وزراء بريطانيا آنذاك‮ »‬وينستون تشرشل‮« ‬بقوله‮: »‬لقد انتصرنا فى الحرب‮« ‬وهو ما حدث بالفعل‮.‬

‮> »‬جنت على نفسها براقش‮«: ‬وفى ذلك إشارة إلى المثل العربى الذى‮ ‬يطلق على كل من تسول له نفسه الإقدام على مسلك‮ ‬غير محسوب فتكون له عواقب كارثية‮… ‬فتقول القصة المرتبطة بالمثل إن‮ »‬براقش‮« ‬كلبة كانت تعيش مع قوم فى قرية وكانت تأخذ فى النباح كلما اقترب‮ ‬غريب من القرية،‮ ‬وفى‮ ‬يوم أخذت فى النباح حتى تنبه أهل القرية إلى اقتراب جماعة‮ ‬غريبة من اللصوص تبغى مهاجمتهم،‮ ‬فما كان منهم إلا أن تجمعوا وجمعوا مقتنياتهم واختبأوا فى مغارة قريبة من قريتهم،‮ ‬وعندما وصل اللصوص لم‮ ‬يجدوا شيئًا فهموا بالانصراف،‮ ‬لكن الكلبة‮ »‬براقش‮« ‬أخذت فى النباح حتى التفت اللصوص إلى مكان اختباء أهل القرية فى المغارة فهاجموهم وقتلوا بعضهم وسرقوا متعلقاتهم‮… ‬من هنا جاءت المقولة‮: »‬جنت على نفسها وعلى أهلها براقش‮«.‬
من تلك الإشارتين‮ ‬يجد المراقبون والمحللون لواقعة الهجوم الأوكرانى المباغت على روسيا أنه وإن كان‮ ‬يتم تشبيهه بالهجوم اليابانى على‮ »‬بيرل هاربور‮« ‬عام ‮١٤٩١ ‬وتدميره لقطع الأسطول البحرى الأمريكى إلا أنه كانت له نتائج كارثية حيث أيقظ الأمة الأمريكية للذود عن كرامتها فدخلت الحرب العالمية الثانية فى صفوف الحلفاء الأوروبيين مما كان له أكبر الأثر فى تحويل مقدرات تلك الحرب وهزيمة ألمانيا النازية ومعها إيطاليا واليابان‮… ‬وبناءً‮ ‬عليه‮ ‬يجمع المراقبون والمحللون أن ما تزهو به أوكرانيا من نجاحها فى ضرب المطارات الروسية مؤخرًا وهو الدور الذى استخدمت فيه كمخلب قط من جانب المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية سوف‮ ‬يرتد عليها بالوبال وستدفع ثمنه‮ ‬غاليًا من جراء الضربات الانتقامية التى توعدت بها روسيا لرد اعتبارها والذود عن كرامتها السياسية والعسكرية إزاء استباحتها من المخابرات الغربية ومخلب القط الأوكرانى‮.‬
ولعل النوايا الخفية وراء تلك المؤامرة ليست خافية على كل من روسيا والمحللين السياسيين،‮ ‬وهى محاولة استفزاز روسيا لمغادرة مائدة المفاوضات بينها وبين أوكرانيا فى إسطنبول برعاية تركيا فى الوقت الراهن،‮ ‬وهو ما فضحه المبعوث الخاص بالخارجية الروسية‮ »‬ميراشنيك‮« ‬فى تصريحه بتاريخ ‮٤ ‬يونيو الجارى والذى قال فيه‮: »‬ما أقدمت عليه أوكرانيا من وقائع مستفحلة‮ ‬ينطوى على أساليب إرهابية محرمة دوليًا،‮ ‬ويكشف عدم رضاء أوكرانيا عن المفاوضات الدائرة بيننا لإقرار سلام،‮ ‬مما دعاها لارتكاب هجمات إرهابية بغرض إقصاء روسيا عن مائدة المفاوضات،‮ ‬لكن روسيا لن تنصاع لتلك المحاولة ولن تغادر مائدة المفاوضات،‮ ‬لأن روسيا تستطيع الفصل بوضوح تام بين مقتضيات المفاوضات ومقتضيات العمل العسكرى،‮ ‬وبينما تلتزم روسيا بمتابعة مسار المفاوضات لن تتوانى فى اتخاذ كل ما‮ ‬يلزم للرد على الأعمال الإرهابية التى تعرضت لها دون أى هوادة أو تسامح تجاه المعتدين،‮ ‬ولن تعطيهم مأربهم فى إزاحتها عن مائدة المفاوضات لاتخاذ الذرائع لاستمرار الحرب‮.‬
وبناء عليه تبقى الأنفاس محتبسة ترقبًا لرد الفعل الانتقامى الروسى تجاه الهجوم الأوكرانى والذى لا تزال التصريحات السياسية تحصره فى ضربات روسية لمواقع استراتيجية أوكرانية لكنها لا تخلو من تلميحات بعدم تبرئة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية من التخطيط له وتنفيذه والتهديد بأن روسيا تبذل قصارى جهدها لضبط نفسها والحيلولة دون اتساع تلك الضربات لتشمل أهدافًا فى منتهى الخطورة خارج حدود أوكرانيا‮.. ‬ولست أعرف وقت نشر هذا المقال هل سنكون ما نزال فى متابعة انطلاق رد الفعل الروسى المحتم لترسيخ هيبة روسيا وعدم تهاونها فى الذود عن كرامتها السياسية والعسكرية،‮ ‬أم ستكون الضربات الروسية قد حققت أهدافها فى ردع أوكرانيا وجعلها تدفع الثمن لعمليتها الإرهابية الشيطانية‮.‬