
توقع عبدالحميد شرف الدين، رئيس قطاع الإحصاءات السكانية والحيوية بالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، انحسار فيروس كورونا بمصر، بداية من منتصف شهر يوليو المقبل، مشيرًا إلى أن معدلات الإصابة والوفيات جراء الفيروس غير مقلقة، فهى الأقل عالميًا قياسًا إلى عدد السكان.
وقال شرف الدين، لـالدستور، إن المجتمع المصرى لديه ميزة قوية ستساعده على عبور الأزمة بأقل الخسائر، كونه مجتمعًا شابًا، حيث تقل نسبة السكان فى سن الـ65 سنة فما فوق عن 4% من إجمالى عدد السكان، بينما 80% من السكان أقل من 45 سنة، وبالتالى حتى لو تعرض عدد كبير منهم للإصابة بالفيروس، فإن فرص شفائهم كبيرة إلا فى حالات استثنائية لمصابى الأمراض المزمنة.
■ ما دور جهاز الإحصاء فى إدارة أزمة كورونا؟ وهل هناك تكليفات محددة من الحكومة أو القيادة السياسية فى هذا الشأن؟
- هناك تنسيق كامل بين مسئولى الجهاز وأجهزة الدولة فى ضوء ما يمتلكه الجهاز من قاعدة بيانات ضخمة، ورفعنا تقارير لمتخذى القرار تضم مجموعة من البيانات المهمة المرتبطة بأزمة كورونا، ومنها على سبيل المثال عدد السكان، خلال الفترة الحالية، طبقًا للتوزيع الجغرافى وفئات السن والنوع، لوضع أرقام تقديرية للفئات والمحافظات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، لتشديد إجراءات الوقاية الصحية بها.
كما تحرك الجهاز سريعًا لتوفير بيانات العاملين خارج المنشآت على مستوى الأنشطة الاقتصادية، والذين يواجهون صعوبة مع قرار فرض حظر التجوال، والبالغ عددهم 11 مليونًا، مع بيان توزيعاتهم على مستوى الأنشطة الاقتصادية، وفى مقدمتهم العاملون فى المطاعم والسياحة، إلى جانب إعداد دراسة حول سيناريوهات انتشار كورونا وفرص انحساره.
كما أعددنا بيانات مفصلة عن الخدمات الصحية المتعلقة بعدد المستشفيات على مستوى الجمهورية، وعدد أسرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعى، والأطباء وأعضاء هيئة التمريض وتوزيعهم، وعدد المدن الجامعية ومراكز الشباب والمدارس وتوزيعاتها على مستوى الجمهورية، تحسبًا للسيناريو الأسوأ فى حال الحاجة إلى تحويلها إلى أماكن عزل للحالات المصابة.
■ متى تنحسر أرقام الإصابة بكورونا وفق نتائج دراسات الإحصاء؟
- انتهينا بالفعل من إجراء دراسات تحليلية متخصصة حول سيناريوهات أزمة فيروس كورونا بناءً على عدة فرضيات، من بينها معدل التغير فى أعداد الإصابات على مدار الأيام والأسابيع ومعدل انتقال العدوى بالفيروس، وانتهينا إلى توقع بانحسار المرض خلال الفترة بين 15 و20 من شهر يوليو المقبل، وتسجيل منحنى متراجع فى أعداد الإصابة بشرط الالتزام بالإجراءات الاحترازية، فكلما كانت درجة الالتزام والوعى أكبر ساعد ذلك على اختصار زمن التراجع، ليكون شهرًا بدلًا من شهرين، ولكن بشكل عام من الصعب التنبؤ بموعد اختفاء الفيروس، خاصة مع عودة بعض الدول لتسجيل حالات إصابة جديدة بعد توقف لعدة أيام، مثلما حدث فى الصين والأردن.
كما أن الدراسة الخاصة بالإحصاء استندت إلى تمتع المجتمع المصرى بميزة قوية ستساعده على عبور الأزمة بأقل الخسائر، كونه مجتمعًا شابًا، حيث تقل نسبة السكان فى سن الـ65 سنة فما فوق عن 4% من إجمالى عدد السكان، مقارنة بـ20% فى أمريكا و22% فى إيطاليا ودول أوروبا، وأن 80% من السكان فى مصر أقل من 45 سنة، وبالتالى حتى لو تعرض عدد كبير من السكان للإصابة بالفيروس، فإن فرص شفائهم كبيرة إلا فى حالات استثنائية لمصابى أمراض الضغط والسكر.
■ وهل وصلت مصر لذروة انتشار الفيروس فى ضوء تحليل أرقام الإصابات؟
- مصر من أقل الدول فى معدلات الإصابة بالفيروس نسبةً لعدد السكان، كما أن المعدلات مستقرة إلى حد كبير، ولم نسجل قفزات مقلقة، سواء فى أعداد حالات الإصابة أو الوفاة، خاصة مع التزام المواطنين مؤخرًا بالإجراءات الوقائية وارتداء أغطية الوجه الكمامات، فى الأماكن والمواصلات العامة والخاصة، هذا الالتزام سيسهم خلال الأسابيع القليلة المقبلة فى خفض أرقام الإصابة بالفيروس، وأتوقع أن يكون الأثر إيجابيًا خلال الـ14 يومًا المقبلة.
■ أترى أن الارتفاعات الأخيرة فى معدلات الوفاة مقلقة؟
- طوال الأربعة أشهر الماضية لم تسجل مصر قفزات كبيرة فى معدلات الإصابة أو الوفاة، إنما ترتفع الأعداد بشكل تدريجى وفق توقعات المتخصصين، وأعتقد أن المعدلات لا تزال غير مقلقة، خاصة أنها لا تمثل رقمًا كبيرًا بالنسبة لمتوسط أعداد حالات الوفاة الطبيعية يوميًا التى تتراوح بين 1520 و1530 حالة، بالإضافة إلى أن 30% من وفيات كورونا تحدث قبل التوجه للمستشفى وبعضها يصل متأخرًا لتلقى العلاج، كما أن ارتفاع الأعداد فى المحافظات الحضرية والقاهرة تحديدًا طبيعى بسبب ارتفاع عدد السكان وكثرة المترددين عليها يوميًا من مختلف المحافظات، وبالتالى الكثافة السكانية أعلى وفرص نقل العدوى أكبر.
■ ماذا عن وضع مصر على خريطة الأمراض الوبائية؟
- مصر من أقل الدول التى تسجل انتشارًا للأمراض الوبائية، وهناك أمراض كثيرة اختفت ولم يعد لها وجود بين المصريين بسبب الحملات الوقائية التى بدأتها مصر قبل 20 عامًا.
كما أن الأوبئة السابقة مثل الطاعون والإنفلونزا الإسبانية وإنفلونزا الخنازير لم تسجل أعداد إصابة أو وفيات كبيرة فى مصر مقارنة بدول العالم، حيث بلغ عدد ضحايا الطاعون عام 1947 حوالى 20 مليون شخص خلال 3 سنوات على مستوى العالم، والإنفلونزا الإسبانية عام 1918 تسببت فى وفاة 50 مليون شخص على مستوى العالم خلال سنة واحدة، بالإضافة لما سبق، أعداد حالات الوفاة الطبيعية فى مصر بدأت فى التراجع بشكل ملحوظ بسبب تحسن المنظومة الصحية والقضاء على قوائم الانتظار وغيرها من المبادرات الصحية، وهو ما انعكس على انخفاض معدل الوفيات خلال شهر يناير 2020 مقارنة بيناير 2019 من 61 ألفًا إلى 57 ألفًا، ثم 48 ألف حالة خلال مارس الماضى و42.1 ألف حالة خلال أبريل الماضى.
■ بعد مرور 3 أشهر.. كيف تقيم تداعيات جائحة كورونا وفق المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة؟
- لا شك أن أزمة كورونا تسببت فى صدمة قوية لاقتصادات العالم كلها، بما فيها مصر، لكن بدرجات متفاوتة، فعلى الصعيد المحلى سجلت معدلات البطالة ارتفاعًا هو الأول والأعلى بعد سلسلة طويلة من التراجعات، ليصل خلال أبريل الماضى لـ9.2% مقابل 7.7% خلال الربع الأول من عام 2020، أى قبل الأزمة مباشرة، لكن تلك المؤشرات تعبر عن حالة استثنائية مؤقتة لا يمكن القياس عليها، وستعود إلى طبيعتها سريعًا فى غضون 3 أشهر فقط بمجرد انحسار فيروس كورونا وعودة نشاط القطاعات الاقتصادية.
وبالتأكيد العالم كله سيتأثر، لكن الأثر سيكون أقل وطأة بالنسبة لمصر، نتيجة ما حققته من نجاحات فى تطبيق برنامجها للإصلاح الاقتصادى قبل سنوات، وتحقيق طفرة فى المشروعات الاستثمارية والقومية المنفذه بكفاءة عالية، وبالتالى كان الإصلاح سند مصر فى الأزمة وأسهم فى تخفيف مضاعفات الصدمة على الاقتصاد القومى.
■ ظهرت مؤخرًا توقعات من جهات غير رسمية بارتفاع معدلات البطالة لتتراوح بين 15 و20%.. ما تعليقك؟
- التقديرات المتداولة غير رسمية ومعظمها مبالغ فيه بشكل كبير، ولهذا حرصنا فى جهاز الإحصاء على الرصد السريع لتداعيات الأزمة على معدلات البطالة وسوق العمل، عن طريق إدخال أسئلة إضافية ضمن استمارة جمع بيانات بحث القوى العاملة تتعلق بأزمة كورونا، واستطعنا بالفعل رصد تأثيرها على معدل البطالة خلال الشهر الأول من الربع الثانى من العام الحالى، حيث أظهرت النتائج ارتفاع المعدل لـ9.2% خلال أبريل الماضى تأثرًا بإجراءات تقليص ساعات العمل وفرض حظر التجوال وتعليق العمل ببعض الأنشطة والقطاعات، وهو أمر متوقع ولكن ليس كما تشير التقديرات غير الرسمية، خاصة فى ظل جهود الدولة للحفاظ على دخول أكثر من 6.5 مليون شخص من العاملين فى القطاعين الحكومى والعام طوال الأزمة، وتقديم دعم مالى للعمالة اليومية غير المنتظمة، ومنح تسهيلات للقطاع الخاص، لتشجيعه على الحفاظ على العمالة وضمان عدم تسريحها أو تخفيض رواتبها.
■ ولكن هل ستؤثر تلك الأزمة على خطة الحكومة لخفض معدلات الفقر بين المصريين؟
- بالتأكيد الأزمة ستكون لها تداعيات سلبية على مستوى معيشة الأسر المصرية، لكن برامج الحماية الاجتماعية والدعمين النقدى والعينى سيكون لها أثر إيجابى فى التخفيف من حدة الأزمة.
كما أن الأسرة المصرية قادرة على تكييف أمورها مع أوجه الإنفاق المختلفة، خاصة مع تراجع الإنفاق على بعض البنود، مثل التعليم والدروس الخصوصية والتنقلات والأنشطة الترفيهية والثقافية بسبب الإجراءات الاحترازية، وهو ما سيحدث نوعًا من التوازن فى مواجهة ارتفاع الإنفاق نسبيًا على الخدمات الصحية وشراء المطهرات والمستلزمات الطبية.
معدلات الفقر بين المصريين سجلت عام 2018 نحو 32.5% وكان من المتوقع قبل أزمة كورونا خفض المعدل بشكل كبير بنسبة 4% على أقل تقدير، فى ضوء تحسن مستويات الأجور والمعاشات والإصلاح الاقتصادى وتسارع وتيرة مشروعات البنية الأساسية فى الصعيد والقرى الأكثر فقرًا، ورغم التطورات الأخيرة سينخفض المعدل بنسبة محدودة وأقل من المتوقع، وفى جميع الأحوال من المستبعد حدوث أى ارتفاعات جديدة فى معدل الفقر فى خطة التعايش وعودة عجلة الإنتاج تدريجيًا.
■ ما انعكاسات الأزمة على معدلات الزواج والطلاق والمواليد؟
- هناك مفاجأة إيجابية كشفتها البيانات الأولية مؤخرًا التى أظهرت انخفاض أعداد المواليد بشكل ملحوظ خلال الربع الأول من العام الحالى، لتسجل متوسطًا يتراوح بين 165-168 ألف مولود شهريًا خلال عام 2020 مقابل 192 ألف مولود شهريًا خلال عام 2019.
كما هبط معدل الزيادة الطبيعية فى عدد السكان، وهو الفارق بين عدد المواليد وعدد الوفيات من 5200 شخص لـ4 آلاف شخص، وهو ما يعنى أننا سنستغرق نحو 8 أشهر لتسجيل أول مليون جديد بعد الـ100 مليون الأولى بدلًا من 6 أشهر كما كان متوقعًا فى السابق، وهو مؤشر إيجابى للغاية يشير إلى انخفاض معدل النمو السكانى خلال الفترة المقبلة.
أما عن معدلات الزواج والطلاق، فهى تصدر بشكل سنوى من خلال بيانات وزارة العدل والنيابات، لكن أثر كورونا لن يظهر قبل حلول عام 2021، بينما تشير المؤشرات الأولية إلى أن أعداد حالات الزواج سجلت ارتفاعًا نسبيًا من 887 ألف حالة زواج عام 2018 إلى 925 ألف حالة بنهاية 2019 بزيادة 38 ألف حالة زواج تقريبًا، كما سجلت حالات الطلاق زيادة طفيفة فى حدود 10 آلاف حالة عن العام السابق والمقدرة بحوالى 211 ألف حالة طلاق.