«انتزاع حق الحياة» .. بقلم الأنبا إرميا
03.06.2020 12:12
Articles مقالات
المصرى اليوم
«انتزاع حق الحياة» .. بقلم الأنبا إرميا
Font Size
المصرى اليوم

بقلم الأنبا إرميا

تحدثنا فى المقالة السابقة عن إفساد الإنسان لمعنى الحرية عندما مزجها برغبته المميتة فى أن يصير مثل الله؛ فكان سعيه ومحاولاته للسيطرة على البشر وعلى حقهم فى الحياة، وعرضنا لأمثلة من ذاكرة التاريخ ومن صفحاتها المشينة: الطاغية نيرون، والمذابح الأرمينية، ومذابح الهولوكست، والحروب العالمية التى فُقدت فيها ملايين من البشر الأبرياء.

 

إلا أن تلك الصور الوحشية لم تعُد الآن هى الأسلوب الذى يُتخذ من أجل الهيمنة على حياة البشر وانتزاع حقوقهم فى الحياة، أو نزع آدميتهم وتشييئهم (تحويلهم إلى أشياء بلا إرادة). فقد اتُّخذ نهج جديد معاصر يسعى لامتلاك المعرفة والتقنيات الحديثة التى تسمح للحالم بالسيطرة بجمع البيانات والمعلومات عن كل فرد على وجه المسكونة؛ وهٰكذا يظن أنه قد صار مثل الله!!! وعن ذٰلك عبّر الفيلسوف الألمانى مارتن هيدجر (1889-1976) الذى عاصر ويلات الحروب؛ فصرح بقلقه العميق من مستقبل الإنسانية بما شاهده من دمار وقتل، محذرًا البشر من أخطار التطور التقنى، مشددًا على وجوب تقنينه، مناديًا بوضع دستور يحكم عَلاقة الإنسان بالتطور التكنولوجى.

 

أما عن محاولات انتزاع حق الحياة من البشر، فتعبّر عنه تقنيات مختبرات الحرب الحيوية التى توصلت إلى إمكانية وضع مواد فى اللقاحات، قد تسبب: القتل البطىء، أو إصابة الأشخاص والأجيال التالية بمرض ما، أو إضعاف قدرة المخ، أو العقم، أو إضعاف المناعة البشرية؛ بهدف السيطرة على عدد سكان الأرض.

 

إن فريقًا من البشر يؤمنون أنه يجب إحداث تباطؤ فى نمو السكان العالمى، متعللين بأنه كلما كان البشر أقل عددًا كانت حياتهم أطول عمرًا وأفضل حالاً، خاصة فى ظل الموارد المحدودة للأرض، ولذا يجب خفض عدد سكانها!! حتى وإن تحقق ذٰلك بالتطهير العرقى لبعض المجتمعات التى تدرج تحت مسمى العالم الثالث، أو بالبقاء للأقوى عن طريق التخلص من الضعفاء الذين يُعتبرون حملاً مضنيًا على إمكانات الدُّول!!! ويرَون أنه لن يتأتى ذٰلك إلا بالبحث والتطوير فى العلوم الحيوية التى تؤثر فى حياة الإنسان.

 

لقد ذكر عديد من الكتاب والدارسين مدى التطور السريع لأبحاث علم الچينوم ـ أحد فروع علم الوراثة المتعلق بدراسة الچينوم- أى كامل المادة الوراثية داخل مختلف الكائنات الحية؛ بهدف تحديد تسلسل الحمض النووى (D.N.A) كاملاً، ورسم الخرائط الدقيقة للچينوم؛ ومن ثَم تحقيق تغيير فى D.N.A الكائنات الحية بشرًا أو حيوانات أو نباتات.

 

وفى كتابه ساعتنا الأخيرة، الصادر عام 2003، حذر عالم الفيزياء والكونيات البريطانى مارتن رِيس من التطور السريع والمذهل للتقنيات الحيوية التى ربما ينتج عنها وباء قد يؤدى إلى كارثة.

 

ويرى رِيس أن الڤيروسات المميتة والمعدلة وراثيًّا هى أحد أشد الأخطار التى تهدد البشرية؛ إذ من الممكن وقوع انفلات فى أجهزة صنعها الإنسان، أو فى أثناء استخدام الهندسة الوراثية لتغيير طبيعة البشر. وحدد رِيس 2020 أنه العام الذى سيحدث فيه خطأ بيولوچى يتسبب فى مقتل مليون شخص!! ذاكرًا أن كل هٰذا بتدبير من أشرار إرهاب بيولوچى، فى تحالف بين العلماء والسياسيِّين، أو نتيجة خطأ بشرى، وأن تخليق الڤيروسات والبكتيريا القاتلة سيكون أمرًا متاحًا بين عدد كبير من البشر قد يكونون من الأشرار الفاسدين؛ فتُستخدم تلك المعرفة على نحو غير سليم؛ وهٰذا بدوره يؤول إلى إحداث كوارث فى حياة البشر سببها سوء استعمال الكيمياء الحيوية.

 

أما الجانب الآخر من المعرفة القاتلة، فهو السعى نحو السيطرة على فكر البشر ومعتقداتهم وانتماءاتهم وسلوكهم، وذلك من خلال... وفى مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى!.

 

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى

 

القبطى الأرثوذكسى

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.