
إن قوة القيامة قد منحت التلاميذ شجاعة لم تكن لهم, من كان يظن أن أولئك الذين كانوا ضعفاء مختبئين في العلية, يمكنهم أن ينادوا بالإنجيل بكل مجاهرة؟! من كان يظن أن اثني عشر رجلا من الصيادين الجهلة ـ كما كانت غالبيتهم ـ يمكنهم أن يوصلوا المسيحية إلي أرجاء المسكونة؟!
لقد أخذوا قوة من القيامة, وقوة من الروح القدس, هذه القوة قد غيرتهم, قبل أن تغير الناس بكرازتهم, إن كان اللص اليمين قد نال قوة من المسيح المصلوب إلي جواره, فكم بالحري قد نال التلاميذ قوة من قيامة المسيح الذي رأوه بعد قيامته, ومكث معهم أربعين يوما يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع 1:3). اللص آمن واعترف بإيمان. وهم نشروا الإيمان في أرجاء الأرض كلها الذين لا قول لهم ولا كلام ولا يسمع صوتهم, في كل الأرض خرج منطقهم وإلي أقصي المسكونة بلغت أقوالهم (مز 19: 3, 4).
نالوا من قيامة المسيح قوة فكرزوا بقيامته بأكثر قوة.
هذه القوة أرعبت رؤساء اليهود وكهنتهم وأخافتهم. فحاولوا جاهدين أن يسكتوهم, معتبرين أن الحديث عن القيامة أشر من الضلالة الأولي (مت27:64). وهكذا قالوا لبيلاطس الوالي حينما طلبوا منه ضبط القبر بالحراس بعد دفن المسيح.
كانت قيامة المسيح دليلا ضدهم علي أنهم صلبوه ظلما. فالذي يقوم من الموت هكذا بقوة, علي الرغم من الحراسة المشددة والحجر الكبير الذي علي فم القبر, ويدل بقيامته علي أنه أقوي من الموت…لايمكن أن يكون ضالا ومضلا كما اتهموه! ولا يمكن أن ناقضا للشريعة وكاسرا للسبت…!لقد قالوا له أثناء صلبه انزل عن الصليب فنؤمن بك (مت27:40-42).
وواضح أن النزول عن الصليب أسهل بكثير من قيامته بعد موته ودفنه…ومن هنا كانت قوة قيامته تخيفهم وترعبهم حتي أمام الناس…
لذلك أمروا التلاميذ بعدم التبشير بالقيامة. ولما رفض التلاميذ هذا الأمر, قال لهم رئيس الكهنة, أما أوصيناكم وصية ألا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان(أع5:28).
خافوا أن القيامة تجلب عليهم دمه.
أي أن يدانوا بمسئولية سفك دم بريء لا يستحق الموت…هذا الذي صاحوا أمام بيلاطس قائلين دمه علينا وعلي أولادنا(مت27:25) بل عن هذا الدم البريء, اعترف يهوذا مسلمه قائلا لرؤساء الكهنة والشيوخ أخطأت إذ سلمت دما بريئا(مت27:4) وقال لهم بيلاطسأنا بريء من دم هذا البار(مت27:24) …كانت القيامة إذن تطالبهم بدم المسيح…ولاتزال حتي الآن, تطالب أبناءهم يهود اليوم بدم المسيح…
قوة القيامة كانت سبب فرح للتلاميذ, وسبب رعب لليهود.
كما كان ميلاده أيضا سبب فرح للرعاة الذين بشرهم الملاك بالميلاد(لو2:10), وفي نفس الوقت كان سبب خوف لهيرودس الملك, الذي لما سمع بالخبر اضطرب جميع أورشليم معه(مت2:3). وهكذا في هذه الأمور تحققت نبوءة سمعان الشيخ الذي قال عن الطفل يسوعإن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل, ولعلامة تقاوم(لو2:34).
إن القوة التي نالها المسيحيون في إيمانهم بالقيامة, عملت في حياتهم من جميع النواحي:
أعطتهم قوة في الإيمان بالقيامة بصفة عامة. علي اعتبار أن السيد المسيح كان باكورة الراقدين ثم الذين للمسيح في مجيئه (1كو15: 23) وبالتالي الإيمان بالعالم الآخر. كما قال بولس الرسول إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فنحن أشقي جميع الناس, ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين… (1كو 15: 19ـ20). إن أقوي تأثير لقيامة المسيح, هو إيماننا بالقيامة وبحياة الدهر الآتي, واستعدادنا لتلك الحياة.
ومن هنا كانت حياة التوبة, ونقاوة القلب, لكي يكون لنا نصيب في الحياة الأخري والنعيم الأبدي, ومن أعمق التأثيرات للإيمان بالقيامة حياة النسك والزهد والموت عن العالم, التي عاشها الآباء الرهبان والمتوحدون والسواح. كلهم كانت قوة القيامة وفاعليتها تعمل فيهم.. كذلك القديسون الشهداء الذين بكل ثقة وفرح تقدموا إلي الموت من أجل قوة إيمانهم بالقيامة…
وعكس ذلك إن لم تكن قيامة.
وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول … ما المنفعة لي وإن كان الأموات لا يقومون؟! فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت (1كو 15: 32). وهكذا يذكرنا بتعليم الإبيقوريين..
إن قوة الإيمان بالقيامة هي التي تدفع إلي كل خير وأيضا من وعده القائل من آمن بي ـ ولو مات ـ فسيحيا (يو11: 25), وقوله, خرافي تسمع صوتي. وأنا أعرفها فتتبعني, وأعطيها حياة أبدية, ولن تهلك إلي الأبد (لو10: 27ـ 28).
وكل وعود الرب بالحياة الأبدية, تركز طبعا علي القيامة, لأننا لا يمكن أن نحيا إلي الأبد في هذا الجسد المائت. إنما ندخل في الحياة الأبدية, حينما يحدث في القيامة أن هذا المائت يلبس عدم موت (1كو 15:53).
مبارك الرب في كل وعودة المحيية ومبارك الرب في قوة قيامته.