«الموت الأسود» .. بقلم الأنبا إرميا
29.07.2020 06:11
Articles مقالات
الأنبا إرميا - المصرى اليوم
«الموت الأسود» .. بقلم الأنبا إرميا
حجم الخط
الأنبا إرميا - المصرى اليوم

بقلم الأنبا إرميا

وصلنى عدد من الرسائل يتساءل أصحابها عن الأوبئة التى انتشرت بالعالم منذ القدم، وما تركته من آثار. ومن العجيب أن هذه الأيام قد انتشرت أخبار عن إعلان حالة التأهب القصوى بمِنطَقة منغوليا الداخلية الصينية، بعد إبلاغ باشتباه فى حالة طاعون دُبْلىّ، المتسبب فى جائحة الموت الأسود فى العالم، وذلك بمدينة بايانور شَمال غرب بكين، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء شينخوا الصينية؛ لذلك آثرت التحدث عن تلك الأوبئة، وأود أن أطلق عليها: منحنيات التاريخ البشرى؛ التى تركت بصماتها آثارًا لا تُمحى من ذاكرة التاريخ. وكما ذكر أن: الوباء يهدد الروابط الاجتماعية، ويطلق العنان لنوع خفىّ من حرب أهلية يكون فيها كل واحد حذرًا من جاره؛ فانتشار الأوبئة يمثل دومًا امتحانًا للمجتمعات. ولنبدأ الحديث بإيجاز عن أوبئة شهِدها العالم منذ فجر التاريخ، كانت لها آثار عميقة غيرت وجهه؛ ثم سنتحدث تباعًا عما تعرضت له مِصر فى تاريخها.

 

الطاعون الدُّبْليّ (Bubonic Plague)

 

أحد أخطر الالتهابات البكتيرية فى تاريخ البشرية. يُعرف بأسماء متنوعة: الطاعون الدُّبْلىّ، الطاعون الدُّبَيْلىّ، الطاعون الدُّمَّلىّ، الطاعون العُقْدى، الطاعون النَّزْفىّ. ويُعد هذا الطاعون من أقدم الأوبئة التى عرفها التاريخ، وقد ذكرت الكاتبة أريل كوزلوف أن الطاعون انتشر بـمصر 1650 ق. م. ثم كان ظهور الطاعون الدُّبْلىّ فى القرن السادس الميلادى بالإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية)، وأطلق عليه طاعون چُستنيان، حيث أصيب به الإمبراطور چُستنيان الأول، لكنه شُفى. وقد ذكر المؤرخ بروكوبيوس، فى كتاباته عن الطاعون وتأثيره بالإمبراطورية، أنه وصل القسطنطينية التى صارت المصدّر الأكبر له؛ ثم انتشر بأنحاء الإمبراطورية منتقلًا من مدينة إلى أخرى، ممتدًا فى المناطق حول البحر المتوسط، ثم آسيا الصغرى، حتى وصل اليونان وإيطاليا، متسببًا فى موت قرابة 25 مليون شخص!!.

 

وفى القرن القرن السابع (639 م)، انتشر الطاعون ثانيةً بـفلسطين، حيث بدأ ظهوره فى قرية عمواس قرب بيت المقدس فسُمى: طاعون عمواس، ثم انتشر ببلاد الشام، وكان ذلك فى وقت خلافة عمر بن الخطاب؛ وقيل إنه استمر شهرًا، واصلًا بعدد ضحاياه إلى 25 ألف إنسان تقريبًا.

 

وعاد الطاعون الدُّبْلىّ للظهور مرة أخرى بالقرن الرابع عشَر (1340-1400م)، بادئًا فى الصين أو بمِنطَقة قريبة منها، ثم انتقل إلى إيطاليا، ومنها إلى أوروبا على نحو مريع، موديًا بحياة ثلث سكانها، ليقضى على 100 مليون شخص بـأوروبا وآسيا؛ فأطلق عليه الموت الأسود!!!. وشهِد القرن التاسع عشر ظهوره مجددًا بعدد من البلدان كـمِصر 1801م و1834م، وإيران 1829م.. إلا أن اجتياحه كان 1855-1950م: فانتشر شرق آسيا بـالصين، ومقاطعة يونان 1855م، لينتقل إلى الهند 1869م، ليجد طريقه إلى جزر هاواى بحلول 1899م. وعام 1900م، بدأ الوباء فى الانتشار فى أستراليا من خلال شحن البضائع.

 

لكن الطاعون لم يُقضَ عليه نهائيًّا؛ إذ اعتُبر أنه فعال حتى عام 1959م. وعام 1994م، انتشر الوباء مجددًا بولايات هندية. وقد أُعلن أن عام 2013م قد شهِد إصابات بالمرض وصلت إلى 750 حالة، تُوفى منها 126 شخصًا. وأيضًا فى عام 2020م ظهر اشتباه فى حالة طاعون دُبْلىّ بمدينة بايانور بالصين. ووَفقًا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية، فإن الطاعون الدُّبْلىّ من الأمراض المعدية التى تؤدى إلى موت ثلثى مصابيه إذا لم يُسرَع بعلاجهم. وينتقل هذا الطاعون إلى البشر من خلال القوارض والبراغيث التى تصاب بنوع من البكتيريا تسمى يرسينيا (Yersinia Pestis)، ويتنقّل بين الحيوانات بواسطة البراغيث المعتمدة عليها.

 

ومن أعراض هذا الطاعون حمى حادة مصحوبة بأعراض أخرى تظهر بعد يوم إلى سبعة أيام من الإصابة: نوبات قشعريرة، آلام بالرأس والجسم، ضعف، غثيان، تقيؤ، سعال...و...

 

وفى مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى!

 

* الأسقف العام

 

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.