«200 يوم تغريبة».. كيف خذلت الحكومة أقباط العريش؟
15.09.2017 12:15
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
الدستور
«200 يوم تغريبة».. كيف خذلت الحكومة أقباط العريش؟
Font Size
الدستور

فى مطلع العام الجارى، ومع زيادة عمليات قتل الأقباط فى العريش، كان لا بد من انتقال الأسر القبطية من تلك البقعة الساخنة، حماية لأرواحهم، خاصة فى ظل الحرب الشرسة التى تخوضها القوات المسلحة ضد العناصر الإرهابية فى سيناء.

فى البداية، وفرت الجهات المعنية كل التسهيلات للأسر المنتقلة، وصرفت وزارة التضامن الاجتماعى التعويضات اللازمة فى حينها، ووعدت بتقديم الإعانات اللازمة، لكن الحال تغيرت بعد مرور ٧ أشهر من تاريخ الأزمة، وبدلًا من توفير سبل الراحة لتلك الأسر التى تركت أراضيها ومنازلها وأعمالها، بسبب حرب يخوضها الوطن ضد قوى الظلام، يواجه أقباط العريش أوضاعًا سيئة وتعنتًا لا مبرر له.

بطاقات التموين توقفت ولا يجدون «العيش المدعم»، وتراجعت «التضامن» عن وعودها ولم تصرف «بدل السكن» سوى شهر واحد فقط. وهناك من يواجه شبح الفصل من عمله، وآخرون يواجهون «روتينًا عقيمًا» يجبرهم على العودة إلى العريش لاستخراج بعض الأوراق، ما يعرضهم لمصير الشاب نبيل صابر، الذى انتقل مع أسرته من العريش إلى نُزل الشباب فى بورسعيد، ثم اضطر للعودة لاستخراج بعض الأوراق المدرسية لابنه الكبير، فباغته ٤ مسلحين ملثمين وأردوه قتيلًا بأربع رصاصات.

«الدستور» ترصد معاناة أقباط العريش، بعد أكثر من ٧ أشهر من انتقالهم فى السطور التالية.

 

 

«التموين» توقف بطاقة مرقص: «مش لاقى العيش» 

فى ساحة الكنيسة المرقسية بالعباسية، جلس مرقص عزيز، أحد الأقباط المنتقلين من محافظة شمال سيناء، على باب «مراحم الرب» ينتظر أن يعينه أحد على ما هو فيه، اقتربت منه «الدستور» لتسأله عن حاله الآن بعد مرور عدة أشهر على تركه العريش، فتحدث فى إحباط بالغ.

يقول مرقص: «أنا عشت فى العريش من ٢٠ سنة، وكنت شغال سباك وعندى زبونى والناس عرفانى، حبيت أعمل مشروع فأخدت قرض من بنك التعمير وفتحت محل لأدوات السباكة، لكن مفيش كام شهر وحصل اللى حصل، سبت مالى وحالى وهربت أنا وأسرتى على القاهرة».

ويتابع مرقص روايته: «بعد ما جيت هنا كانت عندى مشكلة فى توفير شقة، بعد ما كان عندى بيتى التمليك، ونزلت على قرايبى وقلت أتسند ببدل السكن اللى هتصرفه وزارة التضامن، لكن هو شهر واحد بس اللى اتصرف لنا ومفيش بعدها حاجة حصلت. عملت إعلانات فى الكنايس للناس اللى محتاجة سباك وأدينى عايش باللى بييجى». معاناة مرقص لم تقف عند هذا الحد، إذ فوجئ منذ أيام بتوقف بطاقات التموين عن صرف الخبز، وما معه لا يكفى شراء العيش غير المدعم، ما دفعه للجوء إلى «ولاد الحلال» الذين يعطونه جزءًا من نصيبهم فى «عيش التموين». ويشير إلى أنه ذهب إلى مديرية التموين بالمجمع للاستعلام عن السبب، ليفاجأ بأن الأزمة لا تتعلق به وحده، بل إن عددًا كبيرًا من أسر الأقباط المنتقلة، توقفت بطاقاتها عن العمل، وعند سؤالهم عن طريقة معالجة الأمر، جاءت الإجابة التعجيزية بأنه يُفضل أن يذهب إلى العريش لتفعيل البطاقة ما يشكل خطرًا على حياته، ليظل مرقص حائرًا لا يدرى ماذا يفعل، هل يعود إلى العريش ليلقى مصير صابر؟.

 

 

جميل مُهدد بقطع راتبه.. ويطالب رئيس الوزراء بتفعيل «الإلحاق»

جميل فهمى، موظف بمجلس مدينة العريش، أحد الأقباط الذين انتقلوا بأسرهم إلى القاهرة، كان يقف أمام المكتب التموينى بالقرب من محطة الملك الصالح، يحاول أن يطرق باب المسئولين ليعرف السر وراء توقف بطاقات التموين عن صرف الخبز المدعم.

يقول جميل إن بطاقته توقفت عن العمل منذ أسبوعين، ولا أحد يريد صرف العيش له، مشيرًا إلى أنه تقدم بطلب لتحويل البطاقة التموينية له على القاهرة منذ أبريل الماضى، ولا يزال فى انتظار الاستجابة، ولا يمكنه صرف أى من مواد التموين الأساسية.

ولفت إلى أن ما حدث له تكرر مع عدد كبير من الأسر المنتقلة إلى محافظة القاهرة، مضيفًا: «إحنا طول الفترة اللى فاتت كنا صابرين على التموين اللى مش بنعرف نصرفه، لكن كله إلا العيش، وكان العمل إننا بنبعت الستات عشان تجيب باقى التموين من العريش وتيجى، ومش محتاج أوضح إن الطريق صعب غير المصاريف والشيلة والقلق النفسى اللى عايشين فيه على طول، لكن كمان منعرفش نصرف عيش، طب نجيب منين نجيب عيش كل يوم، أقل واحد هيديك عيش بـ٢٠ جنيه».

وتابع: «ذهبنا إلى مديرية التموين نسألهم عن سبب توقف البطاقات، فأخبرونا بأن المسئول عن الأمر الآن وزارة الإنتاج الحربى، ونحن لا نعلم شيئًا فى القاهرة، ففى الأخير نحن مجرد غرباء ولا نعلم أين نذهب».

وتساءل: «مَنْ هو المسئول عن هذا الأمر؟ ولماذا؟»، مشيرًا إلى أنهم ذهبوا إلى العريش فى ظل الأوضاع الخطيرة وأرواحهم على أكفهم لتفعيل البطاقات، وبرغم ذلك لم يتم تفعيلها.

لم تتوقف المشكلات التى لاحقت فهمى عند مشكلة «العيش»، وفوجئ باتصال من المسئولين عنه فى العمل، يخبرونه فيه بأنه إذا لم يعد إلى العريش ويتقدم بطلب انتداب رسمى، فإنه مهدد بقطع راتبه من الشهر المقبل، على الرغم من أن محافظ شمال سيناء أعطى تعليمات شفاهية بمنح مأموريات مفتوحة للأقباط المنتقلين، والموافقة على طلبات إلحاق العاملين تبعًا للمحافظة التى انتقلوا إليها.

وعن «الإلحاق»، أوضح أنه يعنى أن يعمل الموظف فى المحافظة التى انتقل لها، مع صرف المستحقات المالية التى يأخذها كأنه فى العريش بشكل كامل، مشيرًا إلى أن الشئون الاجتماعية والزراعة والتعليم استجابت، لكن «الصحة» ومجلس المدينة رفضا هذا الأمر، معتبرين أن الإلحاق هو أمر غير قانونى، وأنه لا بد أن يكون القرار على مستوى رسمى، وتم إرسال إنذار للأقباط المنتقلين بأن يقدموا طلبات انتداب أو نقل رسمى وإلا سيقطع الراتب.

وتابع: «أنا ماقدرش أسيب وظيفتى فى العريش.. معنى كده المرتب هينزل للنص.. وهو يا دوب ساند.. ده غير إنى مولود هناك.. وكل ما أملك هناك.. أسيبه لمين؟».

وطالب جميل رئيس الوزراء بسرعة إصدار قرار رسمى بأحقية أقباط العريش العاملين فى الجهات الحكومية، فى تقديم طلبات الالتحاق أو منحهم مأموريات مفتوحة أسوة بوزارة التربية والتعليم، مع صرف مستحقاتهم كاملة، نظرًا للظروف الاستثنائية التى يمرون بها، مشددًا علي ضرورة استجابة الجهات المسئولة لهذا الأمر.

 

 

مناشدة بـ«بطاطين» تواجه «برد الشتا» بعد تراجع «التضامن» عن «بدل السكن»

أمام ساحة المجمع بميدان التحرير، كان عدد من الأسر القبطية المنتقلة، تقف فى انتظار الدخول إلى مديرية التموين للاستعلام عن السبب وراء توقف بطاقات التموين الخاصة بهم، لكن لم تكن تلك المشكلة الوحيدة التى تواجههم.

يحكى شوقى جرجس عن المعاناة التى يعيشها منذ الانتقال، قائلًا: «نحن كنا عائلة تضم عددًا من الأسر، نعيش كلنا فى العريش، بعدما حدث ما حدث، هربنا بملابسنا التى نرتديها فقط، كما تشتت الأهل فى بلاد الله، وكل منا أصبح فى مكان، وهذا سبب لنا نوعًا من الاكتئاب الشديد، نظرًا لتعلقنا ببعضنا البعض».

مشكلة شوقى جرجس لم تقتصر على هذا الأمر فحسب، بل يضيف فى أسى: «أنا كنت تاجر، صاحب محل، عندى بضاعتى، ببيع وبشترى، معنديش وظيفة ولا تأمين، اشتريت أرض وبنيت عليها، لما حصلت عمليات القتل ورا بعض، وحالة منهم ساكنة فى الشارع اللى ورايا، أخدت أسرتى وجينا على القاهرة، أنا عايش بالستر، وبعد ما كان عندى محل وبيت تمليك دلوقتى أنا شغال فى شركة أمن بأقبض منها ملاليم وقاعد فى شقة إيجار بدفعه شهر والتانى لأ والحالة بقت صعبة جدًا».

ويتابع حديثه متسائلًا عن بدل السكن الذى تعهدت به وزارة التضامن، مشيرًا إلى أن الوزارة صرفت ٣٠٠ جنيه بدلًا مرة واحدة، ثم انقطع، كما تساءل: «لماذا بدل سكن المنتقلين إلى القاهرة ٣٠٠ جنيه فقط، بينما الأسر المنتقلة إلى بورسعيد ١٥٠٠ جنيه؟»، موضحًا أن الوزارة تعهدت بصرف معونات أخرى كالأجهزة الكهربائية وما تيسر من أثاث، لكن لم يحصلوا منها على شىء.

ويقاطعه مجدى شكرى قائلًا: «الوزارة صرفت لى حاجات زى مرتبة ٩٠ متر ضيقة جدًا ومخدات ما تعرفش تنام عليها»، مستدركًا: «لكن أهو أحسن من نومة البلاط، إحنا يهمنا يرجعوا يفعلوا بطاقات العيش فورًا ويحاسبوا المسئول عن الموضوع ده، إحنا نجيب منين عيش بـ٢٠ جنيه كل يوم».

ويعود شوقى للحديث عن مطالبه قائلًا: «هما جم عملوا بحث حالة وسألوا إحنا محتاجين إيه، ليه ما تمش تنفيذ أى حاجة؟»، متمنيًا أن يتم تفعيل تلك الأبحاث والاستجابة لمطالب المحتاجين، مطالبًا الجمعيات الأهلية، ومنها الهلال الأحمر، بأن تعود وتهتم بحالات تلك الأسر، خاصة أن الشتاء على الأبواب ولا توجد حتى بطاطين تقيهم من البرد.

 

 

65 أسرة تحترق بـ«نار الروتين».. ومسنة: «أروح لربنا وهو يحل المشكلة؟!»

أمام مبنى محافظة القاهرة، يقف مينا محروس، واحد من الأسر القبطية المنتقلة إلى القاهرة، طارقًا باب المسئولين وبيده عقد إيجار الشقة التى يسكن بها، حتى يستجيبوا له ويصرفوا الإعانات المستحقة، وكان الرد الذى حصل عليه أنه ليست هناك إمكانية لتوفير أماكن سكنية.

مينا تم تحويله إلى التضامن الاجتماعى بمجمع المصالح، وهناك التقى المسئولين الذين قالوا إنهم يحصرون الأسر المنتقلة إلى القاهرة، لافتًا إلى أن العدد الأخير الذى استقروا عليه هو ٦٥ أسرة، من ضمنها ١٩ أسرة تمتلك عقودًا للإيجار، وتطرق مينا إلى مشكلة الروتين فى الإجراءات التى تطلب منه أن يعود إلى العريش حتى ينجز بعض الأوراق، وهو ما يشكل خطورة على حياته، وذكر أنه ذهب إلى التأمين الصحى، لكن القائمين على الأعمال هناك تعنتوا ضده وطالبوه بأن ينجز تلك الأوراق فى العريش حتى يتم قبول طلبه، وهو ما أثار حفيظته، ودفعه إلى الاعتصام بالتأمين الصحى حتى استجابوا لمطالبه.

وأشار إلى أن المشكلة لا تتوقف عند هذا الأمر فقط، بل إن كثيرًا من الجهات التى يلتمس العمل بها تطلب أوراقًا لا يمكن الحصول عليها إلا من العريش، مثل مفردات مرتب وبيان الحالة، ما يسبب له العديد من الأزمات بسبب الأعمال المتأخرة والمتوقفة على تلك الأوراق.

وقال إن أزمة توقف بطاقات التموين فى الأسابيع السابقة، دفعت والده للجوء إلى الأقارب حتى يأخذ منهم الخبز المدعم لأن مقدرته المادية لا تسعفه لشراء خبز غير مدعم بشكل يومى.

وفى إحدى الكنائس بمنطقة عزبة النخل التقت «الدستور» سيدة مسنة، معروفة هناك بأنها جاءت مع الأسر المنتقلة من العريش، بطاقتها التموينية توقفت عن العمل منذ فترة، وتعيش على ما يأتيها من «ولاد الحلال»، ولا تعرف كيف تسعى لتحل المشكلة.

تقول تلك السيدة: «أنا ست باتحرك من مكانى بالعافية بحكم سنى، الحمد لله ربنا دايمًا بيسترها، والحمد لله إنى لاقية مكان أعيش فيه وفرشة بنام عليها، فيه ناس تانية مش لاقية، أنا بس عايزه أعرف البطاقة اتوقفت ليه؟»، مضيفة: «هما قالولى روحى العريش عشان تتفعل، لكن أروح فين وآجى منين أنا معدش ليا حد هناك أروح له، أنا أروح لربنا وهو هايحل المشكلة».

على باب بنك الإسكان والتعمير، وقف لطفى داود، صاحب محل بقالة، ينتظر حل مشكلة القرض الذى أخذه من البنك حتى يفتح المحل، ولكن حدث ما حدث وأغلق مورد رزقه، موضحًا: «مشكلة القروض لم تصل لحل حتى الآن، فمن أين أسدد القروض وأنا بلا عمل ولا أنتفع من المحل؟».

وأضاف: «سمعت أن من توجه إلى البنك من الأقباط المنتقلين، حلوا لهم المشكلة، وتم توقيف القرض إلى حين»، مشيرًا إلى أن عدد الأسر المنتقلة التى عليها قروض يبلغ ١١ أسرة، وتواجه العديد منها مشكلة؛ لأنه لا يوجد دخل لعدم السداد. ورأى ضرورة إيقاف الفائدة والقسط لحين العودة مرة أخرى إلى العريش ومزاولة حياتهم بشكل طبيعى، وأن يبت فى ذلك البنك المركزى.

Leave Comment
Comments
Comments not found for this news.