عفو البابا.. قصة حملة إعادة محاكمة جورج بباوى المحروم كنسيًا
07.02.2020 07:09
اخبار الكنيسه في مصر Church news in Egypt
الدستور
عفو البابا.. قصة حملة إعادة محاكمة جورج بباوى المحروم كنسيًا
حجم الخط
الدستور

تشهد الأوساط القبطية، هذا الأيام، دعوات لإعادة محاكمة الدكتور جورج حبيب بباوى، أستاذ اللاهوت السابق بالكلية الإكليريكية، المعاقب بـالحرمان الكنسى من قِبل المجمع المُقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهو أشدّ عقوبة كنسيّة تُنزل بالخاطئ وتحرّم عليه قبول الأسرار الكنسية، وممارسة بعض الأعمال الكنسية.

 

ومُنع بباوى من التدريس بالكلية الإكليريكية عام 1983، بعد ظهور بعض الأخطاء فى تعاليمه، وزاد الأمر سوءًا نشره مقالًا يمدح فيه حركة الإصلاح البروتستانتينية على يد مؤسسى الطائفة مارتن لوثر وجون كلفن، مُهاجمًا، فى الوقت ذاته، السلطة الدينية وأسرار الكنيسة الأرثوذكسية، وعلى رأسها سِرّا الكهنوت والإفخارستيا- التناول.

 

وانضم بباوى إلى كنيسة الروم الأرثوذكس عام 1984، حينما تزوج تبعًا لطقوسها، وانضم كذلك للكنيسة الأسقفية الإنجليكانية فى 1989، وبُناءّ على المُغالطات اللاهوتية الواردة فى تعاليمه، مثل شراكة الطبيعة الإلهية والكفارة وغيرها، ناقش المجمع المُقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية تلك الأفكار فى جلستين طارئتين، الأولى بتاريخ 21 فبراير 2007 والثانية بتاريخ 26 مايو 2007، وقرر المطارنة والأساقفة حينها حرمانه كنسيًا.

 

ومؤخرًا، دعا نشطاء المجمع المُقدس، برئاسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، لإعادة مُحاكمة بباوى، وهو ما ترصد الدستور تفاصيله فى السطور التالية.

حيثيات العقاب: أباح الزواج المختلط ومشاهدة أفلام الشذوذ وقبول أى معمودية

 

برر المجمع المقدس قراره بحق بباوى بـ33 سببًا، من بينها مهاجمته السلطان الكهنوتى وسلطان التعليم فى الكنيسة.

 

ومن بين الأسباب: الادعاء بأن الإنسان لا يستطيع أن يفهم علاقة الكنيسة بالمسيح إلا من خلال فهمه علاقة الرجل بالمرأة فهمًا كاملًا ناضجًا، ومهاجمة كل معتقدات الكنيسة الأرثوذكسية بصفة عامة، مدعيًا أن التعليم حاليًا بالكنيسة هو تعليم غير مسيحى، ومهاجمة مدارس الأحد مع الادعاء بأنها تعلم الأطفال تعليمًا غير مسيحى، ومهاجمة الصوم أو التحريض على عدم الالتزام به، ومهاجمة سر الإفخارستيا حسب معتقد الكنيسة فى الوقت الحاضر.

 

وضمت الأسباب كذلك: مدح تعاليم أوريجانوس، خاصة فيما يتعلق بخلاص الشيطان، والتحريض على قبول فكرة الزواج المختلط من غير المسيحيين، والتشكيك فى أهمية صلوات الإكليل، والتحريض على حضور أفلام عالمية فيها نوع من الشذوذ، والتشجيع على قراءة كتب غير روحية، والادعاء بالجهل بمصير غير المؤمنين، والادعاء بأن طلب معونة الله فى كل عمل أمر غير مهم (محتاج لمعونة ربنا فى إيه؟؟ مش محتاج لمعونة ربنا).

 

كما ادّعى أن من ينقاد لإرادة المسيح يكون مثل مطية تنقاد لمن يركبها، وسب جميع المتناولين الذين يتكلون على معونة الله وإرشاده، والادعاء بأن مارتن لوثر لم يهاجم الكهنوت، وأن الكنيسة انحرفت عن تعاليم الكتاب المقدس بعد القرن الخامس الميلادى، وأن لوثر هو الذى أعاد للكنيسة عقيدتها.

 

كما تضمنت: اتهام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالأريوسية، مذهب يعتبر الابن والروح القدس مخلوقين غير مساويين للآب فى الجوهر والأزلية، لرفضها فكرة تأليه الإنسان، ومهاجمة تعاليم الكنيسة بشأن عقيدة التثليث، مدعيًا أنها تعتنق نظرية القيمة Theory of Value لأرسطو، وهى نظرية خاطئة فى نظره، ومحاولة إثارة مشاعر السيدات ضد الكنيسة بسبب منعهن من دخول الهيكل، والادعاء بأن العلمانية أعظم من الكهنوت، والادعاء بأن تدريس اللاهوت ليس من اختصاص البابوات، بل من اختصاص العلمانيين وأساتذة اللاهوت، وقبول معمودية البروتستانت وكل معمودية من أى مذهب على اسم الثالوث.

 

ظهور متياس وحكم الإدارية العليا يفتحان الباب ومصدر كنسى: البطريرك لن يرفع عقوبة أقرها بخط يده

 

كان لحكم الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار محمد حسام الدين، رئيس مجلس الدولة، باعتبار القرارات التى تصدرها الكنيسة بحرمان بعض الأقباط من ممارسة الأسرار الكنسية- التى تعرفها العقيدة المسيحية بأنها بعض الأعمال المقدسة والمنح الإلهية كسر التوبة والاعتراف وسر القربان والتناول- هى قرارات تجتمع فيها أركان القرار الإدارى، ومن ثم تختص محاكم مجلس الدولة بنظر الطعن عليها، وبموجب هذا الحكم رفضت المحكمة الطعن المقام من بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بصفته، وأيدت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ وإلغاء قرار بطريركية الأقباط الأرثوذكس بحرمان إحدى السيدات من ممارسة الأسرار الكنسية- الدور الأكبر فى ظهور هذه الحملة المطالبة بإعادة النظر فى حالة بباوى.

 

أما العامل الآخر فهو ظهور الأنبا متياس، أسقف المحلة الكبرى السابق، الذى تقدم باستقالته للمجمع المقدس، بالساحة الكنسية، خلال الوقت الراهن، وحضوره، لأول مرة، بـنهضة شهداء مصر بليبيا، خلال الأسبوع الماضى، بدعوة من الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط، بجانب إعادة الأنبا إيساك والأنبا سلوانس والأنبا تكلا، أسقف دشنا، إلى كراسيهم مُجددًا، رغم استقالاتهم فى أوقات سابقة.

 

وفى المقابل، رفض البعض الربط بين قضيتى بباوى ومتياس، ورأوا أن استقالة الأخير كانت بسبب بعض الأمور الإدارية، وكانت قاصرة على خدمته بإيبارشية المحلة، ولا تلغى رتبته الكنسية كأسقف بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

 

من جانبه، قال الكاتب والباحث كريم كمال، رئيس الاتحاد العام لأقباط من أجل الوطن، إن مطالبة البعض بإعادة محاكمة بباوى غير جائزة، وهى دعوات هدفها إثارة البلبلة، لأن بباوى هو من فصل نفسه عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بإعلان انضمامه لإحدى الكنائس الروسية، بجانب تعاليمه التى أدانها المجمع المقدس، برئاسة الراحل البابا شنودة الثالث.

 

وأضاف كمال، لـالدستور، أن إعادة المحاكمة تتطلب أن يتقدم هو شخصيًا بطلب ليعود للكنيسة، بجانب إقراره التراجع عن تعاليمه الخاطئة، والتى أدانها المجمع المقدس.

 

وتابع: محاولة البعض ربط تلك المطالبات بتولى الأنبا متياس رئاسة صلوات ذكرى شهداء ليبيا ربط يدل عن سوء نية، لأن الأنبا متياس غير محروم، وأصر على تقديم استقالته من العمل الإدارى والرعوى لمطرانية المحلة فى عهد الراحل البابا شنودة الثالث، فضلًا عن أنه يصلى فى الكثير من كنائس الولايات المتحدة الأمريكية التى اختارها محلًا لإقامته، بجانب حضوره إلى مصر والصلاة عدة مرات فى عهد البابا شنودة والبابا تواضروس، ولم تصدر أى قرارات بحرمانه، ولكن هناك من يحاول تزييف الحقائق والتاريخ من أجل ضرب الكنيسة من الداخل.

 

وذكر سليمان شفيق، الباحث القبطى، أن هذه المطالبات ظهرت بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا الأخير، وقال: بعيدًا عن حيثيات الحكم وعدم توفيق هيئة الدفاع، فإن الحكم جاء تحذيرًا من استخدام الأسرار الكنسية كعقوبة وليس لمغفرة الخطايا.

 

وأضاف: أنا ضد تدخل القضاء فى القضايا الداخلية للكنيسة وفقًا للمادة الثالثة من الدستور، لكنى مع أن يضع المجمع لائحة لاستخدام العقوبات بشكل آخر، بمعرفة لجان تحقيق على ثلاث مراحل، لاستخدام ذلك العقاب القاسى، الذى يعيدنا للعصور الوسطى، بشكل سليم.

 

وتابع: قضية حرمان بباوى تحتاج من البطريرك الإصلاحى الأنبا تواضروس الثانى فتح ذلك الملف بكامله وفق معايير يضعها المجمع، من أجل أن تكون الأسرار مقدسة وليست أداة للعقوبات التى تستخدم كثيرًا دون قواعد، وأحيانًا دون محاكمة.

 

وقال مصدر كنسى إن هناك فرقًا بين إعادة أسقف لكرسيه، مثل الأنبا تكلا أو الأنبا سلوانس أو الأنبا إيساك، وبين التعامل مع المعتقدات المغايرة للكنيسة والمنادين بها، لأن عزل أسقف عن كرسيه قد يرجع لخلافات إدارية، أو حتى لسقطة قد تاب عنها، إلا أنه لا يزال يتمتع بسلامة التعليم.

 

وأضاف المصدر، لـالدستور: البابا تواضروس الثانى كان من الموقعين على قرار المجمع المقدس بحرمان بباوى كنسيًا، حينما كان أسقفًا عامًا للبحيرة، وبناءً عليه فمن المستبعد أن يدعو لعقد مجمع لرفع عقوبة وقّع عليها بخط يده، إضافة لذلك فإن القاعدة المجمعية تؤكد أن من حُرم بمجمع لا يُحل إلا بمجمع.

 

داعمو الباحث: قرار حرمانه تصفية حسابات.. ونناشد الأنبا المعتدل إعادة النظر فى حالته

 

ما زلتُ أعتقد وأزداد مع الأيام اعتقادًا أن بغض الحياة أسهل من حب الحياة.

 

قال ماركو الأمين، الباحث المتخصص فى التراث المسيحى، إن بباوى لاهوتى معاصر حُرم بسبب تصفية الحسابات، وهى طريقة غير قانونية بحسب القانون الكنسى، فالعقوبة مرت بمراحل كثيرة قبل إقرارها بشكل نهائى فى 2007.

 

وأضاف الأمين: لبباوى الحق فى المطالبة بإعادة المحاكمة، خاصة أن تعاليمه إذا ما قورنت بتعاليم آباء الكنيسة فلا غبار على أرثوذكسيته، حتى وإن بدا أسلوبه صعب العبارات عميق المعانى.

 

وتابع: لا شك أن هناك عوائق كثيرة تجعل فكرة إعادة المحاكمة أمرًا صعبًا، إن لم يكن شبه مستحيل، فلا أظن أن الأب البطريرك سيضع نفسه فى هذا الموقف الحرج بأن يخالف عقوبة وقّعها بنفسه، فحينها سيضع نفسه تحت مسئولية شعبية، خاصة مع وجود تيار حالى يستهدف ضرب الكنيسة من الداخل وتشويه رمز وحدة الكنيسة القبطية، الأب البطريرك.

 

وقال: أقترح عرض (لاهوت بباوى) على لجنة لاهوتية كنسية تجمع كوادر قبطية متخصصة، منزهة عن أى أغراض، وبعيدة عن أى ضغوط أو تحيزات، ممثل فيها جانب الإكليروس والعلمانيين على حد سواء، تقيسه على تعاليم آباء الكنيسة الأرثوذكسية المعتبرين، لتخرج لنا بنتيجة نزيهة، وبناء عليه تعقد جلسة لاتخاذ القرار النهائى فى قضية بباوى، أقترح ذلك رغم معرفتى بمدى صعوبة تحقيقه.

 

فى السياق ذاته، قال هانى عزت، مؤسس رابطة متضررى الأحوال الشخصية: منذ سنوات طويلة ظهر فى الكنيسة الأرثوذكسية ما يسمى بالحرمان من الأسرار المقدسة، لكل من يختلف فى رأى أو فكر، سواء كان طقسيًا أو لاهوتيًا، رغم أن تفاسير من عوقبوا بالحرمان لا تؤثر على جوهر المسيحية وأسرارها وشروطها.

 

وأضاف عزت: الحقيقة أن البابا الراحل شنودة الثالث رسّم أكثر من 100 أسقف ليدعموا قراراته المجمعية، وهو ما نتج عنه حرمان بباوى، وتابع: حرمان مسيحى مؤمن بالروح القدس وأسرار الكنيسة بما لا يخالف الكتاب المقدس أمر غير مقبول نهائيًا، فالمسيح لم يعاقب الزانية ولا من خانه أو شك فيه أو أنكره، بل أعاد بطرس وتوما لمرتبتيهما الأوليين.. من يطلب حقًا من الله فى صلاته إن كان كاهنًا أو بطريركًا لا يجوز له حرمان غيره من هذا الحق، لأن الرب فدانا بثمن كبير.

 

وقال: أعتقد أن البابا تواضروس، بفكره المحب المعتدل، قادر على تدارك هذه الأمور لتعود الكنيسة ملجأ للخطاة وليست متحفًا للقديسين، كما كانت أيام الفريسيين واليهود، وقد بدأ بالفعل المسيرة الإصلاحية منذ جلوسه على الكرسى الباباوى، فأعاد القس المتنيح أندراوس عزيز للخدمة، وأسقف دشنا والمحلة وأستراليا، لأنه أتى برسالة حب، الذى هو أساس عقيدتنا الله محبة. وأضاف: المسيح نفسه لم يرفض أى حوار، سواء مع الفريسيين أو اليهود، بل كان يحاورهم داخل مجمعهم، ورغم غضبهم منه إلا أنهم لم يحرموه من المجمع، لذا على قداسة البابا أن يصدر تعليماته بأن يكون الحرمان من الأسرار المقدسة مشروطًا، لتعود الكنيسة تحتوى أولادها كما كان المسيح الراعى الصالح يجمع خرافه بدلًا من أن يترك بيتنا خرابًا من كثرة الانشقاق.

 

أما مايكل عزيز، من أقباط المهجر، فقال إن القرارات المجمعية الصادرة بشأن أساقفة المحلة والأقصر وبباوى، جاءت فى مجملها غيابية ولم تصدر فى إطار قانونى صحيح، مضيفًا: لا أعلم مدى مظلومية هؤلاء الآباء وتفاصيل قضاياهم، ولكن ما أعلمه جيدًا أن الجميع زاغوا وفسدوا وأن باب التوبة والرجوع مفتوح للجميع.

 

وواصل: يجب أن تعاد المحاكمة بشكل قانونى، فالرجوع إلى حضن الكنيسة يجب أن يكون فى إطار جلسات المجمع المقدس، وبشكل ينم عن ترتيب ونظام.

 

وتابع: بالنسبة إلى الظهور الأخير للأنبا متياس إعلاميًا، ومطالبة مؤيديه ومحبيه بالرجوع إلى كرسيه، فهناك قرار مجمعى سابق ينص على (قبول استقالة نيافته عن خدمة إيبارشية المحلة والسماح له بالهجرة إلى أمريكا)، فلا أعلم ماذا كان يفعل نيافته فى الخمسة عشر عامًا، مدة إقامته فى أمريكا؟ ولكن الكنيسة القبطية مجمعية، ونحن نخضغ لها ونرفض الخروج عن قراراتها، وعلى كل تائب أو متضرر اللجوء إلى السبل الشرعية للرجوع مرة أخرى إلى أحضان الكنيسة.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.