تعيش مدينة الفاشر في شمال دارفور هذه الأيام واحدة من أقسى الكوارث الإنسانية منذ اندلاع الحرب في السودان، إذ تتواصل موجات النزوح الجماعي من المدينة إلى المناطق المجاورة، خاصة مدينة طويلة، هرباً من بطش ميليشيا الدعم السريع التي كثّفت هجماتها على الأحياء السكنية ومخيمات النازحين.
ويروي الناجون من المدينة مشاهد مروعة عن القتل الجماعي والنهب والاغتصاب والتدمير المنهجي للبنية التحتية، في ظل غياب تام لأي حماية للمدنيين، حسب موقع "السودان نيوز".
ننام على الأرض ونلتحف السماء
يصف أحد الفارين المشهد بقوله: "كنا ننام على الأرض ونلتحف السماء، لا طعام ولا ماء، نسمع أصوات الرصاص ولا نعلم من منا سيبقى حياً في الصباح، هذه الشهادة تلخص المأساة اليومية لآلاف الأسر التي غادرت الفاشر سيراً على الأقدام، بعد أن تحولت المدينة إلى ساحة مفتوحة لانتهاكات الدعم السريع، الذي استخدم أساليب الحصار والتجويع والاعتداء المباشر على المدنيين كوسيلة للسيطرة".
وبحسب منظمات إنسانية، فقد نزح عشرات الآلاف خلال الأسابيع الأخيرة، معظمهم نساء وأطفال وشيوخ، بينما تقطعت السبل بالمئات على الطرق الوعرة المؤدية إلى طويلة، حيث يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة.
وتحدثت مصادر ميدانية عن انعدام المياه الصالحة للشرب، وانتشار الأمراض، ونقص حاد في الغذاء والدواء والمأوى، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة إذا لم يتم التدخل العاجل.
وتُتهم ميليشيا الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الفاشر، شملت قصف الأحياء السكنية، وعمليات اغتصاب ممنهجة، ونهب المؤسسات الصحية والإغاثية، واختطاف الصحفيين والناشطين لمنع وصول الحقيقة إلى العالم.
وأكدت تقارير حقوقية أن الميليشيا تتعمد قطع طرق الإمداد الإنسانية لمنع المساعدات من الوصول إلى المدنيين المحاصرين داخل المدينة.
في المقابل، تحاول القوات المسلحة السودانية حماية المدنيين وتأمين ممرات للخروج الآمن نحو المناطق المحررة، في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية المجتمع الدولي إلى تحمل مسئولياته القانونية والإنسانية تجاه ما يجري في دارفور، محذرة من أن الفاشر باتت على شفا كارثة إبادة جماعية جديدة.
وشدد محللون سياسيون على أن ما يجري في الفاشر ليس معركة عسكرية عادية، بل خطة ممنهجة لتفريغ الإقليم من سكانه الأصليين، معتبرين أن استمرار جرائم ميليشيا الدعم السريع يؤكد طابعها العدواني القائم على القتل والنهب والتطهير العرقي.