تقام غداً الأربعاء في مدينة الموصل مراسم الاحتفال بتدشين كنيسة مار توما للسريان الأرثوذكس وكنيسة الطاهرة الكلدانية، ، وذلك بعد اكتمال أعمال الترميم التي استمرّت ثلاث سنوات، في إطار الجهود الدولية لإحياء التراث الثقافي والديني للمدينة.
وتندرج مشاريع الترميم الثلاثة ضمن برنامج «فسيفساء الموصل» الذي أُطلق عام 2018 بمبادرة من مؤسسة حماية التراث لبناء السلام “ألِف” الدولية، والذي يضم نحو عشرة مشاريع بارزة لإعادة تأهيل المواقع التراثية المتضرّرة من الحرب، دعمًا للتنوّع الثقافي والديني في المدينة التي شهدت دمارًا واسعًا جرّاء الإرهاب بين عامي 2015 و2017.
ويأتي هذا البرنامج في إطار مبادرة «إحياء روح الموصل» التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالتعاون مع السلطات العراقية عام 2018، بهدف تنفيذ مشاريع تراثية ذات أثر مجتمعي كبير من خلال دعم برامج التدريب على الحرف التقليدية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتنشيط الاقتصاد المحلي، وتعزيز الاندماج الاجتماعي.
وكانت الكنيستان قد تعرّضتا للتخريب على يد تنظيم داعش ثم لأضرار جسيمة أثناء معارك تحرير المدينة عام 2017. وتمّت إعادة إعمارهما بتمويل من مؤسسة “ألِف” وتنفيذ من المنظمة الفرنسية “عمل المشرق”، في خطوةٍ تحمل قيمة رمزية ووطنية كبيرة لجميع سكان الموصل، إذ تُجسّد رمزًا للأمل والتعايش وإرادة الحياة لدى أبناء المدينة وسعيهم إلى إعادة بناء الموصل واستعادة مكانتها التاريخية كجسرٍ بين الثقافات والأديان، وشاهدٍ على عمق الجذور المسيحية فيها عبر القرون.
الكنيستان التاريخيتان
كنيسة الطاهرة الكلدانية
شُيّدت في القرن الثامن عشر وكرّست للسيدة مريم العذراء. وقد شكّلت عبر التاريخ مزارًا للمسيحيين والمسلمين على حدّ سواء، وتُعدّ تحفة معمارية تجسّد الطراز الموصلي الأصيل المعروف بنقوشه البارزة وخطوطه العربية المزخرفة. تعرّضت الكنيسة لأضرار كبيرة خلال فترة احتلال تنظيم داعش، حيث انهارت القبة الرئيسة التي تعلو سقفها.
كنيسة مار توما للسريان الأرثوذكس
تُعتبر من أقدم كنائس الموصل، إذ يُرجَّح أن يعود تاريخها إلى القرن السابع الميلادي، وقد شُيّدت — بحسب التقليد — في الموقع الذي أقام فيه توما الرسول أثناء وجوده في الموصل.
تعرّضت الكنيسة الأصلية لأضرار خلال الحصار الفارسي في القرن الثامن عشر، أما بناؤها الحالي فيعود إلى إعادة الإعمار التي أمر بها والي الموصل آنذاك تقديرًا للمسيحيين الذين شاركوا في الدفاع عن المدينة.
ونالت الكنيسة نصيبًا كبيرًا من التخريب والتدمير على يد تنظيم داعش أثناء احتلاله للمدينة، كما أُصيبت بأضرار جسيمة أثناء عملية التحرير.
و شهدت مدينة الموصل يوم الجمعة، 10 (أكتوبر) ، حدثًا تاريخيًا مفعمًا بالإيمان والرجاء، تمثّل في افتتاح كاتدرائية مار توما الرسول للسريان الأرثوذكس بعد إعادة إعمارها من الدمار الذي لحق بها خلال سيطرة تنظيم داعش. وقد ترأّس القداس والتكريس قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، بمشاركة عدد من بطاركة ومطارنة الكنائس الشقيقة، وحضورٍ رسمي وشعبي واسع جسّد وحدة أبناء المدينة وتنوّعهم الديني والثقافي.
وفي كلمته، أكّد نيافة المطران مار نيقوديموس داود متي شرف، راعي الأبرشية، أنّ “المسيحيين أبناء القيامة، وقيامة كاتدرائية مار توما اليوم هي رمز لصمود الإيمان في وجه الدمار”، مشددًا على أهمية التعايش وبناء الإنسان قبل الحجر. كما عبّر قداسة البطريرك أفرام الثاني عن فرحه العميق قائلاً إنّ الموصل “لا تستعيد حجارة كنيسة فحسب، بل تستعيد روحها المسيحية العريقة”، في مشهدٍ أعاد إلى نينوى إشراقها الروحي وجعلها شاهدًا حيًا على انتصار الحياة على الموت والإيمان على العنف