ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني كلمة بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر مجلس الكنائس العالمي،وفيما يلي أبرز ما جاء بها
من دواعي فخرنا وسرورنا أن نرحب بكم في كنيستنا القبطية وفي وطننا مصر التي تتشرف اليوم باستضافة هذا الحدث الهام في مسيرة مجلس الكنائس العالمي.
إن اجتماعنا هذا يعد علامة مضيئة تؤكد أن مصر، ومعها منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ما زالت تشكل جسرًا حيا بين الكنائس، ومكانا يحمل رسالة الرجاء والوحدة أمام أنظار العالم المسيحي أجمع.
وأرحب بكم جميعًا في مصر، وفي مركز لوجوس للمؤتمرات في هذا المكان المقدس بدير القديس العظيم الأنبا بيشوي، في برية شيهيت المقدسة بوادي النطرون، والتي كانت إشعاع وإلهام للحياة الرهبانية، وألهمت العالم منذ القرن الرابع الميلادي.
حضوركم إلى مصر في ضيافة الكنيسة القبطية، وفي هذا المكان التي عاش فيها الآباء النساك، وأفرخت قديسين عظام من الآباء الرهبان، فيلكن الهاما لنا جميعا، في كيف كانت الحياة والعلاقة بين القديسين فالقديس اثناسيوس وعلاقته بالقديس أنطونيوس هذه التلمذة والصداقة الروحية أثرت الكنيسة كلها بالروحانية والصلاة التي صاحبت حياة أنطونيوس وظهرت في نقاوة تعاليم أثناسيوس، والتي كانت ممزوجة بحياة التقوى.
وأدعوكم في هذا الوقت المبارك، وخلال وجودكم بيننا، أن تتعرفوا على كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، هذه الكنيسة العريقة التي تحمل إيمانها القويم وتراثها الآبائي العميق، إيمانا قد روي بدماء الشهداء عبر الأجيال، وحفظ بأمانة عبر العصور كوديعة مقدسة تسلمناها من الآباء الأولين.
أدعوكم أن تتعرفوا على بلادنا مصر، أرض الكرازة المرقسية، التي احتضنت الإيمان المسيحي منذ فجر التاريخ، وشهدت ميلاد الرهبنة وازدهار اللاهوت والروحانية.
إن مصر بتاريخها العريق وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين، ما زالت تقدم للعالم شهادة حية عن الإيمان الثابت والمحبة الجامعة
كل مجمع كنسي عقد كانت هناك قضية أو مشكلة، وكان هناك حوار ومناقشة، وكان هناك قائد وإدارة وكان روح الله القدوس هو روح القوة والمحبة والنصح والنجاح.
آريوس كان يُعلم بأن “الابن ليس مساويا للآب في الجوهر بل مخلوق من الله وله بداية في الزمن هذا التعليم هدد وحدة الإيمان المسيحي وهذا ينبهنا إلى خطورة التفسير والتعليم المنفرد، دون العودة إلى الجذور، متمثلة في الأناجيل المقدسة وتعاليم الآباء القديسين، معلمي الكنيسة
وتاببع قداسته يقول :”أسس مجمع نيقية لنموذج جديد في الحوار الكنسي المسكوني، إذ جمع أساقفة من شتى أنحاء العالم، وأرسى مبدأ أن الحق الإيماني يحسم من خلال المجامع الجامعة لا الآراء الفردية.
إن مجمع نيقية المسكوني لم يكن مجرد حدث لاهوتي، بل لحظة تاريخية أسست لهوية الكنيسة الجامعة. ففيه حفظ الإيمان المستقيم من الانحرافات والهرطقات.
مجمع نيقية كان نقطة الانطلاق الحقيقية لشرح العقيدة المسيحية الأرثوذكسية بصيغتها الجامعة، ومثالاً دائما لدور المجامع في حفظ الإيمان الواحد المقدس الرسولي، الذي تسلمناه من الرسل والآباء القديسين وحفظ في كنيسة الله عبر الأجيال.
ويعتبر مجمع نيقية المسكوني الأول حجر الأساس لتطور اللاهوت المسيحي في القرون اللاحقة، فقد وضع المفاهيم الدقيقة لعلاقة الآب بالابن ورسخ مبدأ المساواة في الجوهر الإلهي.
من خلال قانون الإيمان، حددت أبعاد العقيدة المسيحية الجامعة التي تمس جوهر الثالوث الأقدس، فصار هذا القانون المرجع الإيماني الأول الذي حفظ وحدة الكنيسة، ورسخ أساس الإيمان الأرثوذكسي المستقيم، الذي ظل ينير للمؤمنين جيلا بعد جيل.
يعد مجمع نيقية المسكوني الأول من أهم الأحداث المفصلية في تاريخ الفكر المسيحي واللاهوت الكنسي، إذ شكل نقطة تحول في تحديد معالم الإيمان القويم وصياغة العقيدة الجامعة التي توارثتها الكنيسة عبر القرون.
وإن استحضار ذكرى مجمع نيقية ليس مجرد احتفال بالماضي، بل هو دعوة متجددة للثبات في الإيمان الرسولي وللانفتاح على الحوار البناء الذي يجمع الكنائس في مسيرة نحو الوحدة الحقيقية، القائمة على الحق والمحبة.
يُشكل هذا المؤتمر فرصة للتأمل في أمانة الكنيسة في حفظ الإيمان النيقاوي وتأكيد رسالتها في عالم يشهد تعددية فكرية وثقافية.