"متى كنا نخاف الموت".. من هو القمص سرجيوس خطيب ثورة 19؟
14.03.2019 09:40
تقاريركم الصحفيه Your Reports
مصراوى
حجم الخط
مصراوى

لم يكن يدري الاستعمار البريطاني أن القمص ملطي سرجيوس، سيولد وقتما وطأت قدماه أرض مصر عام 1882، ليصبح لزامًا عليه الدفاع عن وطنه وحث المصريين أقباطًا ومسلمين على ضرورة التمسك بالوحدة بينهم.

 

وقف سرجيوس ضد الاستعمار البريطاني لمصر والسودان، متحديًا سطوة الاحتلال بالخُطب التي ألقاها في الأزهر والمساجد، باعثًا الأمل في نفوس الآلاف من المصريين للصمود أمام الاحتلال.

 

تدرج سرجيوس، في العديد من المناصب، فالتحق بالكلية الإكليريكية عام 1899، وخدم واعظًا بمحافظة الزقازيق ثم الفيوم فملوي التي رُسم فيها قسًا باسم القس ملطي سرجيوس، ثم وكيلًا لمطرانية أسيوط عام 1907، وفي عام 1912 عين وكيلًا لمطرانية الخرطوم بالسودان.

 

أصدر وكيل مطرانية السودان آنذاك- مجلة المنارة المرقسية في سبتمبر 1912؛ لدعوة الأقباط والمسلمين إلى التضامن والتآخي والوحدة معاً لمقاومة الاحتلال، وأخذ يهاجمهم في عظاته ويحرض المواطنين ضدهم، الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال للغضب عليه، وأمروا بترحيله إلى مصر.

 

لكن لم يعبأ القمص سرجيوس بغضب الاحتلال، وتذكر المراجع المسيحية أنه تحدى المدير الإنجليزي بقوله: "سواء كنتُ في السودان أو في مصر لن أكف يومًا عن النضال وإثارة الشعب ضدكم إلى أن تتحرر بلادي من وجودكم".

 

بعدها بأعوام قليلة وتحديدًا في 1919، برز دور الرجل كخطيب ومُلهم في الثورة على الاحتلال البريطاني، فتميز بفصاحته اللغوية كخطيب يلمس القلوب، حتى أطلق عليه سعد زغلول لقب "خطيب الثورة الأول".

 

اعتلى "سرجيوس" منبر الأزهر عدة مرات لسنوات بقصد أن يخطب في الناس، ويحثهم على الجهاد ضد الاحتلال، رافعًا مصريته أولًا، وأن "الوطن لا يعرف مسلمًا ولا قبطيًا، لكن مجاهدين فقط دون تمييز بين عمامة بيضاء وعمامة سوداء"، مُقدمًا دليلًا على كلماته بوقوفه بعمامته السوداء بالأزهر.

 

في أثناء ذلك نفت سلطات الاحتلال البريطاني سعد زغلول رئيس حزب الوفد، إلى سيلان ومنها إلى جزر سيشل بالمحيط الهندي، وذلك عقب مناشدته المصريين مواصلة التحرك ضد الاحتلال، واندلاع عدد من المظاهرات.

 

عُرف عن الرجل أسلوبه المُميز في الخطابة، وشجاعته التي تجلت في أكثر من موقف لعل أبرزها عندما كان يَخطُب في جمع من الناس بميدان الأوبرا وسط القاهرة، وأثناء خطبته تقدم نحوه جندي بريطاني شاهرًا سلاحه في وجهه، فهتف الجميع: "حاسب يا أبونا، هيموتك"، ليُجيب في هدوء: "ومتى كُنا نحن المصريين نخاف الموت!! دعوه يُريق دمائي لتروي أرض وطني التي ارتوت بدماء آلاف الشهداء، دعوه يقتلني ليشهد العالم كيف يعتدى الإنجليز على رجال الدين". ليضطر الجندي البريطاني للتراجع عن قتله أمام حرارة خطابه.

 

بعد عودة سعد زغلول من المنفى، نُظمت له سرادقات لتكريمه، أثناء ذلك هتف المواطنون باسم القمص سرجيوس وقال زغلول وقتها "فليُسمعنا خطيب الثورة كلمته"، فرد عليه قائلًا: "والله إنك لمجنون يا سعد"، فبهت الجميع، ثم أوضح "والله إنك لمجنون ياسعد؟ تُقدم على دولة عظمى خرجت منتصرة من حرب عظمى، وتملك كل شيء ولا تملك أنت شيئا، ثم تنتصر عليهم، والله إنك لمجنون ياسعد"، فوقف زغلول ضاحكًا قائلًا: "مجنون والله أنت يا سرجيوس".

 

في أعقاب ثورة 1919 ازداد نقد "سرجيوس" للثورة بعد إبداء رغبتها في تعديل قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وعليه تم إغلاق مجلته "المنار المرقسية"؛ ليعيد إصدارها فيما بعد باسم "المنار المصرية"، إلى جانب إلزام وزارة الداخلية في ذلك الوقت "سرجيوس" بالبقاء في المنزل وعدم الخوض في السياسة أو الوعظ في الكنائس، قبل أن تَسمح له في 1959 شريطة عدم الحديث فى السياسة.

 

بعد حياة حافلة بالنضال والمواقف الوطنية وفى الخامس من سبتمبر عام 1964، توفي القمص سرجيوس عن عمر ناهز 81 عامًا، تاركًا خلفه مكتبة مليئة بالمؤلفات الدينية، وذكرى أنه كان أول قسيس يعتلي منبر الأزهر للخطابة.

اترك تعليقا
تعليقات
Comments not found for this news.