
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب وإيلون ماسك سيتمكنان من ترميم علاقتهما بعد الخلاف العنيف الذي تفجّر بينهما هذا الأسبوع وهو ما يأمله كثيرون في محيطهما، ولكن مع انزلاق خلافهما إلى مستوى من الهجمات الشخصية الحادة الخميس الماضي، برزت نقطة لافتة: ماسك بدأ يلوّح بورقة القوة والنفوذ.
وحسب شبكة سي إن إن الأمريكية، فهو لم يكتفِ بانتقاد ترامب أو مشروع قانون الإدارة الجديد الذي يسعى الجمهوريون لتمريره، بل لوّح بإسقاط نواب جمهوريين صوتوا لصالح ذلك "العار المقزز"، على حد وصفه.
تشكيل حزب ثالث
كما أشار إلى احتمال تشكيل حزب ثالث، وادّعى أن ترامب كان سيخسر انتخابات 2024 لولا دعمه له، كما روّج عدة مرات لمنشورات على منصة X تُجبر الناس على الاختيار بينه وبين ترامب، موجهًا تحذيرًا ضمنيًا لأولئك الذين قد يختارون "الخيار الخاطئ".
كتب ماسك على منصته: "وبالمناسبة، فكروا في هذه النقطة: ترامب بقي له 3.5 سنوات في الرئاسة، أما أنا فسأبقى هنا لأكثر من 40 سنة".
من يمسك بزمام الأمور الآن؟
ومن المؤكد أن الغالبية العظمى من قيادات الحزب الجمهوري ستختار ترامب إذا اضطرت للاختيار الحاسم، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة.
فمثلاً، نائب الرئيس جي دي فانس، وبعد ساعات من الصمت اللافت يوم الخميس، أعلن عن تأييده الصريح لترامب (في حال كان هناك شك)، لكنه فعل ذلك من دون أن يهاجم ماسك.
أما حلفاء ترامب الذين لطالما أبدوا تحفظًا تجاه ماسك ونفوذه، فقد انتهزوا الفرصة لمحاولة عزله سياسيًا بعضهم حرفيًا، كما فعل ستيف بانون الذي طالب بترحيل ماسك المولود في جنوب إفريقيا رغم حصوله على الجنسية الأمريكية.
ووفقًا لما اورده التقرير يُذكر أن ماسك أغنى رجل في العالم، حديث العهد نسبيًا بالساحة السياسية، إذ انخرط بشكل واضح في الحركة المحافظة منذ أقل من عام، بعد محاولة اغتيال ترامب في باتلر، بنسلفانيا.
أما ترامب، فيمارس نفوذًا يشبه الطابع "الطائفي" على قاعدة حزبه، إذ حوّل الحزب الجمهوري إلى كيان يدور حول الولاء الشخصي له أكثر من الالتزام بمبادئ أو سياسات محددة. وغالبًا ما يبدّل ترامب مواقفه، وقد أشار ماسك إلى أن ترامب كان يدّعي سابقًا التشدّد المالي مثله فيتبعه القاعدة الشعبية في تغير مواقفها.
ولكن الخلاف مع ماسك لا يُقاس فقط بمن يقف مع من فـماسك يمتلك تأثيرًا حقيقيًا، وهو ما يجعل العديد من الجمهوريين يتجنبون هذا الانقسام الثنائي الحاد، العداء المستمر بين ماسك وترامب قد يُجبر الحزب الجمهوري على مواجهة تناقضاته الداخلية.
صحيح أن شعبية ماسك العامة تراجعت خاصة بعد التراجع في أداء "وزارة الكفاءة الحكومية" التي أسسها، كما أنه ليس محبوبًا كترامب داخل القاعدة الجمهورية، كما أن خلفيته في مجال التكنولوجيا وسياسته الخاصة كانت دائمًا مصدر توتر في علاقته مع ترامب.
لكن رغم ذلك، لا يزال ماسك يتمتع بدعم واسع داخل الحزب. فوفقًا لاستطلاع رويترز/إبسوس في أبريل، أعرب 54% من الجمهوريين عن رأي "إيجابي جدًا" في ترامب، و50% في فانس، فيما حصل ماسك على 43% – وهي نسبة مرتفعة نسبيًا.
كما تفوق على شخصيات جمهورية بارزة مثل وزير الدفاع بيت هيغسث (33%) ومستشار الأمن القومي مايكل والتز (18%).
وفي استطلاع آخر من جامعة ماركيت، حصل ماسك على نسبة تأييد "إيجابي جدًا" بلغت 22% بين عموم الأمريكيين – قريب جدًا من ترامب (25%) ومساوية لفانس، رغم انخفاض شعبيته بعد إخفاقات DOGE.
وبالنسبة لأداء ماسك، فقد أظهرت استطلاعات نيويورك تايمز/سيينا كوليدج أن 63% من الجمهوريين و70% من ناخبي ترامب يدعمون "بقوة" التخفيضات التي نفذها ماسك عبر هذه المبادرة.
لكن حتى مع هذا الدعم الواسع، من الخطأ افتراض أن الولاء لماسك يعادل ولاء الجمهوريين لترامب. من السهل أن يُعجب الناس بشخصين في آن، لكن يفضلوا أحدهما بوضوح.
وهناك إشارات إلى أن الجمهوريين لا يريدون المزيد من ماسك، فاستطلاع كوينيبياك في أبريل أظهر أن 71% من الجمهوريين يعتقدون أن ماسك يملك القدر المناسب من السلطة في إدارة ترامب، بينما قال 8% فقط إنه يملك "قليلًا جدًا" منها.
وهذا قبل تفجّر الخلاف الأخير. فمع استمرار هجمات ترامب الإعلامية– إن حصلت– من المرجّح أن تنخفض أرقام ماسك بين الجمهوريين بشكل كبير.
ماسك لا يزال يحتفظ بتعاطف كبير داخل الحزب الجمهوري، ويمتلك نفوذًا هائلًا عبر ثروته الشخصية ومنصة X التي باتت منبرًا سياسيًا محوريًا.
وقد أثبت سابقًا أنه قادر على دعم أو إفشال مبادرات سياسية بكبسة زر. كما أنه استغل سيطرته على خوارزميات X وسياسات النشر لترجيح كفة آرائه، بل وإسكات منتقديه، وفقًا لما أوردته صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا.
وفي تطور أخطر، استخدم ماسك منصته يوم الخميس للتلميح إلى صلة ترامب بالملياردير الراحل جيفري إبستين، ما اعتبره البعض محاولة لتشويه سمعة ترامب عبر نظرية غير مثبتة.
ومع ثروته الهائلة التي بدأ يضخها بوضوح في السياسة، ووعده بأن يكون قوة مؤثرة لعقود مقبلة، لن يكون من السهل على الحزب الجمهوري الاستغناء عنه.